تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانياً: ما الفرق بين العلم وبين اليقين؟ [انظر: بصائر ذوى التمييز [5/ 397]

لعله يتبين لكم مما سبق شئ من ذلك: فالعلم قد لا يحمل صاحبه على العمل والامتثال، وقد لا يصير العبد بهذا العلم بمنزلة المشاهِد للحقائق الغيبية، فقد يعلم باليوم الآخر، ولكن هذا العلم قد يضعف في قلبه، وقد تعتريه في بعض الأحيان بعض الشكوك، وبعض الشبهات، فتؤثر عليه. وأما إذا كان اليقين مستقراً في القلب، فلا طريق للشُبه، ولا طريق للأمور المشككة، وإنما هو اعتقاد جازم راسخ، لا يقبل التشكيك بحال من الأحوال، ولهذا يقولون:'العلم يعارضه الشكوك واليقين لا شك فيه'.

ونحن نعلم في الجملة: أن العلم يتفاوت كما أن الإيمان يتفاوت، فعلمك بخبر المُخْبِر أن فلاناً قد قدم من سفره إذا كان هذا المُخْبِر ثقة، فإن هذا يورث علماً في القلب، فإذا جاءك آخر ممن تثق به وأخبرك أن فلاناً قد قدم من السفر، فإن هذا العلم قد ازداد مع أن العلم حصل من أول مرة، ثم إذا صادفت العشرات وأخبروك أن فلاناً قد قدم من السفر، فإن ذلك يصير راسخاً قد لا يقبل التشكيك بحال من الأحوال. أما خبر المُخبر الأول -مع أنه ثقة- فإنه قد يقبل التشكيك، فلو جاءك إنسان آخر وقال: أنا أعلم أنه لم يأتِ، وأن الخبر الذي وصلك بمجيئه لا حقيقة له؛ فإن هذا يزعزع هذا المعلوم، أما إذا وصل هذا العلم في قلبك إلى مرتبة اليقين فإنه لا يقبل التشكيك ... فهذا فرق بين العلم واليقين.

ومُحَصِّلَتُه: أن العلم على درجات، فمن أعلى درجات العلم، ومن أكملها، وأرفعها، وأقواها، وأثبتها درجة اليقين، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، أعني: أن العلم يتفاوت كما أن الإيمان يتفاوت.

* الفرق بين التصديق، وبين اليقين: إن التصديق في حقيقته يُبنى على معلوم الإنسان، سواء كان هذا المعلوم لديه من قبيل الحق أو كان من قبيل الباطل، إلا أن الفرق بينهما: أن التصديق أمر اختياري، وأما اليقين: فهو أمر ضروري، بمعنى أن اليقين شئ يوجد في نفس الإنسان إذا وُجد مُوجِبُه من غير اختيار الإنسان، كالشِبَع إذا أكل الإنسان وجد الشِبَع، ولو أن الإنسان يريد أن يأكل كثيراً ولا يشبع؛ لجودة الطعام، أو لحاجته إليه، أو لأنه يستخسر إلقاءه وإهداره، فهو يريد أن يأكل ولا يشبع من هذا الطعام؛ فإنه لا يستطيع ذلك. وهكذا لو أنه شرب فإنه بهذا الشرب يرتوي ولابد إذا وصل إلى حدٍ معين، وهذا الرِّى الذي يقع للإنسان هو أمر غير اختياري، فالشرب اختياري، ولكن الرِّى ليس اختيارياً.

وهكذا اليقين إذا حصلت موجباته؛ فإنه يوجد في القلب، ويرسخ فيه، ويثبت من غير اختيار؛ ولهذا فإن الكفار بل عتاة الكافرين مع تمردهم، وعتوهم على الله عز وجل، وعلى رسله، فإن الله عز وجل يقول:} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ... [14] {[سورة النمل]. أي: أنهم جحدوا بها ظلماً وعلواً مع وجود اليقين في نفوسهم، ولهذا نقول: إن التصديق أمر اختياري باعتبار أن الإنسان يُقرُّ به ويُظهره ويصدق، فيكون مؤمناً، وقد لا يصدق فيجحد::} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ... [14] {[سورة النمل]. فاليقين يكون في القلب، والتصديق يكون أمراً اختيارياً، وهو إظهار مقتضى العلم، فهو يُقر بذلك، ويثبته، ويعترف بهذه الحقائق التي عُرضت أمامه، فيعترف برسالة الرسول صلى الله عليه وسلمأو بوجدانية الله عز وجل وما إلى ذلك.

فمن جئت له بالأدلة المتنوعة المختلفة لتقرره بأمر من الأمور، ولم يكن له حجه إطلاقاً، فبينت له الحق بياناً واضحاً لا لبس فيه؛ فإنه بذلك قد يحصل له اليقين ولكنه قد لا يُصدقك، قد لا يُظهر الاعتراف والإقرار والإذعان، ولهذا فإن أولئك الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلموتنزل القرآن بين أظهرهم، تنزل عليهم، ومع ذلك كثير منهم لم يصدقوا مع استقرار مقتضى هذه الحقائق في نفوسهم، فهي أمور ثابتة لكنهم لم يظهروا مقتضاها، فكانوا بذلك مكذبين.

وبهذا يتبين الفرق بين اليقين وبين التصديق، فقد يكون الإنسان مصدقاً مع حصول اليقين في قلبه، وقد يكون الإنسان متيقناً من أمر من الأمور إلا أنه مكابرٌ جاحدٌ، لا يقرُّ ولا يُذعن بالحقيقة.

ما الفرق بين اليقين وبين الثقة؟ [انظر: مدارج السالكين]:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير