تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

? وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلمعددٌ كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي يذكر فيها فضل اليقين ومنزلته وشرفه: كما في حديث أبي هريرة قال: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا ... الحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلملما بحثوا عنه؛ وجدوه في حائط، وكان أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أول من وجده فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلمنعله، وقال له: [اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ] رواه مسلم. ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بِلَالٌ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الْجَنَّةَ] رواه النسائي وأحمد. فدل ذلك على أن اليقين سبب لدخول الجنة، والأحاديث في هذا كثيرة، وتتبع ذلك أمر يطول.

خامساً: مراتب اليقين [انظر: كتاب الزهد والورع والعبادة، ص77، التبيان في أقسام القرآن، ص119 – 120، مفتاح دار السعادة 1/ 149]: كما أن العلم يتفاوت- واليقين هو من جملة مراتب العلم- فكذلك اليقين يتفاوت، فهو على ثلاث مراتب بعضها فوق بعض، فأدنى مراتب اليقين هي مرتبة:'علم اليقين'، والمرتبة التي فوقها هي مرتبة:'عين اليقين'، وأعلى المراتب هي مرتبة:'حق اليقين'، والله عز وجل يقول:} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [5] {[سورة التكاثر]. فذكر العلم: علم اليقين.

} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [6] ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [7] {[سورة التكاثر]. فذكر في هذه الآيات مرتبتين من مراتبه:

فعلم اليقين: هو التصديق الكامل الجازم، الذي لا تردد فيه، بحيث لا يعرض له شك، ولا شبهة، ولا ريب بحالٍ من الأحوال، فينكشف بذلك المعلوم للقلب، فيصير بمنزلة المُشَاهِد له، فلا يشك فيه كما يشك الرائي بعينه في مرئيه ومُشَاهَدِه، فيكون علم اليقين بالنسبة للقلب كالمرئي بالعين بالنسبة للبصر، وذلك كعلمنا بالجنة: بوجودها ونعيمها كما أخبرنا الله عز وجل، فنعلم أنها دار المتقين، وأنها مقر المؤمنين، فهذه مرتبة علم اليقين، إذا كان ذلك راسخاً في قلب الإنسان وتيقنه.

ثم إذا كان اليوم الآخر، ورأينا الجنة بأعيننا، فإن هذه المرتبة هي مرتبة عين اليقين. والفرق بين هذه المرتبة والتي قبلها هو كالفرق بين العلم وبين المشاهدة، وقد جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ] رواه أحمد. فموسى صلى الله عليه وسلمأخبره الله عز وجل -وهو أصدق من يقول- أن قومه قد عبدوا العجل فما ألقى الألواح، فلما قدم ورأى قومه يعبدون العجل بعينه؛ ألقى الألواح، وغضب، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ] رواه أحمد.

وهذه المرتبة: مرتبة عين اليقين هي التي سألها إبراهيم صلى الله عليه وسلم ربه قال:} ... رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ... [260] {[سورة البقرة]. فإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان كامل الإيمان، راسخ اليقين، لا تردد عنده، ولا اشتباه ولا ريب، ولكنه أراد أن ينتقل من مرتبة من مراتب الكمال إلى مرتبة أعلى منها، أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، فيرى ذلك بأم عينه، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المسافة التي بين علم اليقين، وبين عين اليقين سماها:'شكاً' لعله من باب التجوز، فقال صلى الله عليه وسلم: [نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ... ] رواه البخاري ومسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير