تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما المرتبة الثالثة فهي: مرتبة حق اليقين: وهي مباشرة الشيء بالإحساس فعلاً، أن تكون في بحبوحة الشيء، أن تكون ملابساً له، وذلك أن أهل الجنة إذا كانوا في وسط الجنة، فهم في هذا الحال قد بلغوا مرتبة حق اليقين، وهكذا حينما يخبرك مُخبر أن لديه عسلاٌ وتثق بخبره، فإنك تكون في هذه الحال متيقناً لهذا الخبر، فإذا أحضره أمامك فإن ذلك يكون عين اليقين، فهذه أعلى اجتمع فيها العلم والمشاهدة، فإذا ذقته فهذا هو حق اليقين، والمثال الأول الذي ذكرته في الجنة حيث أخبرنا الصادق المصدوق عنها، فهي في قلوبنا نتيقنها ونعلمها ونُقرّ بذلك، فهذا هو علم اليقين، فإذا شاهدنا الجنة قبل دخولها، فهذه مرتبة عين اليقين، فإذا دخلنا فيها فإن ذلك يكون حق اليقين.

وهكذا إذا أخبرك مُخبر أن بهذا الوادي ماء، فهذا إن كان المُخبر ثقة؛ فإنه يحصل لك بمقتضى هذا الخبر علم اليقين، فإذا شاهدت الماء كان ذلك عين اليقين، فإذا بلغت الماء، واغترفت منه، وشربت، أو اغتسلت؛ فإن ذلك يكون حق اليقين- وهذه الأمثلة يذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما يذكرها تلميذه ابن القيم- وإذا كان اليقين يتفاوت في نفسه، فإن هذا أيضاً يقتضى أن أهله يتفاوتون فيه.

مراتب الناس في اليقين [انظر: مجموع الفتاوى 7/ 270، الفوائد ص4]: أهل هذه المرتبة يتفاوتون فيها فمنهم من يكتمل يقينه ويصير المعلوم بالنسبة إلى قلبه كالمشاهد الذي يشاهده بعينه سواء بسواء، وقد يصل العبد إلى منزلة اليقين، ولكنه لا يصل إلى هذه المرتبة، ولذلك فإن الناس يتفاوتون بسبب هذا في عملهم وجدهم، وهمتهم ونشاطهم، وسعيهم للدار الآخرة، والعمل في مرضاة الله تبارك وتعالى، فَعِلْمُ اليقين على مراتب:

تارة: يعلم العبد الحقيقة علماً جازماً لثقته بالمُخبِر.

وتارة: يعلم صدقه، ويتيقن ذلك، وتقوم الدلائل في قلبه حتى يصير ذلك كالمشاهَد بعينه، فهذه مرتبة أعلى. وعين اليقين من أهل العلم من يقول إنه نوعان:

نوع يحصل لقلب المؤمن في الحياة الدنيا: وهذا إذا ارتقى إيمان العبد ورسخ اليقين في قلبه، واستقر وصار كأن حقائق الآخرة ماثلة بين يديه، وكأنه يشاهد عرش الرحمن، يحف به الملائكة، وصار كأنه يرى الجنة والنار، فهذه بعض أهل العلم يعدونها من عين اليقين بالنسبة للقلب، يقولون: هذا في الدنيا.

وأما في الآخرة: فيكون ذلك بمشاهدتها بالعين الباصرة.

وهذا التفاوت الذي يتفاوته أهل اليقين كذلك يوجد دونهم ممن ينتسب إلى الإيمان، ويقر التصديق في قلبه دون هؤلاء مراتب ودرجات من المؤمنين، فكثير ممن ينتسب إلى الإيمان، ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلمبما جاء به لا يصل به ذلك إلى درجة اليقين الكامل في القلب، وإنما يكون ذلك معلوم له، ولو جاءه مشكك لربما حركه، ولربما دفعه عن الإيمان، وأوقع الشبهات في قلبه، فيتزعزع ويتضعضع إيمانه، ولربما انتكس رأساً على عقب، وهذا حال كثير ممن ينتسب إلى الإيمان، فهم يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً مجملاً، فهذا الإيمان يكفيهم وينجيهم عند الله عز وجل، ولكنه لم يصل بهم إلى درجة لا تقبل التشكيك، ولا تقبل المحرك الذي يكون بسبب الشبهات؛ لهذا قال بعضهم:' حظ الخلق من اليقين على قدر حظهم من الرضا، وحظهم من الرضا على قدر رغبتهم في الله' [مدارج السالكين 2/ 222].

والناس يتفاوتون في هذا، ومن الناس من إذا تتابعت عليه النعم واسترسل عليه عطاء الله عز وجل مما يحب، فإنه يرضي ويطمئن ويسكن إلى ذلك، وإذا أصابته البلايا والمحن، وفُتن؛ تزعزع وتضعضع، ولربما نكص على عقبيه كما قال الله عز وجل:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ... [11] {[سورة الحج].

سابعاً: اختبار اليقين: كيف يُختبر اليقين؟ ما هو المحك الذي يتبين به رسوخ الإيمان، وثباته في قلب الإنسان؟ هناك مواقف يتبين العبد حاله فيها ومرتبته في هذا الباب، ومن هذه المواقف والمواطن:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير