تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا سعيد بن جُبير رحمه الله، إمام من أئمة التابعين لدغته عقرب، فأصرت أمه عليه أن يسترقي، ومعلومٌ أن من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، ولا عقاب، الذين لا يسترقون: لا يطلبون الرقية، فلما أصرت أمه، أراد أن يُطيّب خاطرها، فأعطى الراقي يده الأخرى التي لم تُصب بلدغة هذا العقرب، وترك اليد الأخرى، فعل ذلك؛ إرضاءً لأمه، وجبراً لخاطرها، وتطييباً لنفسها، ولم يفعل الأمر الذي كان يتنافى عنده مع كمال التوكل.

وهذا يونس بن عُبيد كتب إلى ميمون بن مهران، عالم، عابد، بعد طاعون كان ببلادهم يسأله عن أهله، فكتب إليه ميمون بن مهران يقول:' بلغني كتابك، وإنه مات من أهلي، وخاصتي سبعة عشر إنساناً بهذا الطاعون، وأني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يُسرني أنه لم يكن'. يقول: أنا راضٍ بما قسم الله عز وجل، وهكذا يرضى العبد الموقن بما قسم الله عز وجل له من الرزق، ولهذا يقول أبو حازم رحمه الله:' وجدت الدنيا شيئين: فشيء هو لى، وشيء لغيري، فلو طلبته بحيلة السموات والأرض؛ لم أصل إليه'. يعنى: الذي كُتب لغيري من الرزق لو طلبته بحيلة السموات والأرض لم أصل إليه، فيُمنع رزق غيري مني كما يُمنع رزقي من غيري. يقول: ما كتب لي لابد أن يأتي، ولو اجتمع من بأقطارها ليمنعوه. وما كان مكتوباً لغيري لا يمكن أن يصل إليّ.

فلا حاجة للعبد أن يتسخط، ويتذمر على بيعةٍ باعها، فندم عليها، فيأكله الندم طوال حياته، ولربما حدّث أبناءه وأحفاده بهذه الأرض التي باعها قبل خمسين سنة ببيعةٍ زهيدة، هي لم تُكتب لك، فلا حاجة للتحسر، هي مكتوبة لفلان فلا يمكن أن تصل إليك، هذا فضلاً عن الحرام، فالإنسان قد يخرج من العمل في ساعات العمل، وقد يغيب ويسجل له مدير المدرسة، أو المديرة تسجل لهذه المعلمة أنها حضرت هذه الأيام وتُعطى من الراتب، هذا المال الذي وصل إليها سيصل، فإن صبرت؛ سيصلها عن طريق الحلال، فإن لم تصبر؛ فإنها تأخذه عن طريق الحرام، وما لم يُكتب، فإنه لا يصل بحالٍ من الأحوال، فعلى العبد أن يتقى ربه ويُجمل في الطلب.

* السابع: من ثمرات اليقين: أن البلاء يصير عند من استكمل اليقين نعمة، والمحنة منحة: قال سفيان بن عيينة:'من لم يَعُدّ البلاء نعمة فليس بفقيه' [مفتاح دار السعادة 1/ 154].

* الثامن: مما يثمره اليقين: التوكل على الله عز وجل: ولهذا قرن الله بينه وبين الهدى، فقال:} وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ... [12] {[سورة إبراهيم]. وقال:} فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [79] {[سورة النمل]. والحق هنا هو اليقين- كما قال ابن القيم رحمه الله [مدارج السالكين 2/ 398].

* التاسع من ثمراته: أنه يحمل صاحبه على مباشرة الأهوال، وركوب الأخطار: وهو يأمر بالإقدام دائماً، فإن لم يقارنه العلم؛ فربما حمل على المعاطب، والعلم من غير اليقين قد يحمل صاحبه على التأخر والنظر في حسابات كثيرة من نواحٍ متعددة، فتفوت صاحبه الفرص. [بصائر ذوي التمييز 5/ 400]. فإذا قارنه اليقين؛ فذاك الكمال، وقد قال الجنيد: 'قد مشى رجال باليقين على الماء'. ولما أراد سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه أن يعبر دجلة إلى المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه، فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول:' حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات' [تاريخ الطبري2/ 462]. ولما نزل خالد بن الوليد رضى الله عنه الحيرة، فقيل له: احذر السم لا تسقك الأعاجم، فقال:' ائتوني به، فأُتي به، فالتهمه، واستفه، وقال: بسم الله، فما ضره'. قال الذهبي رحمه الله:' هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة' [سير أعلام النبلاء1/ 376].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير