تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي r ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك:

1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (82)، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. والسنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف: 55]. ولقوله r : (( خير الدعاء الخفي)) (83). ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص. انتهى.

وقال العلامة المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (84): اعلم أن الحنفية في هذا الزمان، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب، فكأنهم يرونه واجباً، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه. وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة، وأيضاً مخالف لما في كتبهم المعتمدة. انتهى.

2 - ومما يتعلق بمذهب مالك رحمه الله في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب (الدر الثمين) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (85): كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهراً للحاضرين. ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم (الاعتصام) (86) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد. وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميماً في ذلك على المذهب - مذهب مالك - لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء، وأمره أن يدعو فأبى فلما كان في بعض الليالي قال ذلك الرجل: فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف. فخاف الناس على ابن مجاهد فقال لهم وهو يبتسم: لا تخافوا، هو الذي تُضرب عنقه في غدوة غد بحول الله. فلما كان مع الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه. انتهى.

3 - وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) (87): وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسِرُّ، فإن الله عز وجل يقول: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] يعني - والله تعالى أعلم - الدعاء، ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. انتهى.

وقال الإمام النووي في المجموع (88): اتفق الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه يُستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويُستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهى. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في (التحقيق) (89): يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماماً يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهى.

4 - وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (90): ويُستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويُستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان r يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (91) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه r من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعاً عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي r . انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير