وقد ذكر القاضى أبو بكر والقاضى أبو يعلى وأبو المعالى وغيرهم الإجماع على أنه ليس فى النساء نبيه والقرآن والسنة دلا على ذلك كما فى قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} " المجموع (4/ 396)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله فيما نقله عن الكرماني رحمه الله: (وقد نقل الإجماع على عدم نبوة النساء) (الفتح (6/ 744)
============
الثانية: الوحي ومعانيه.
قال أبو عبيدة رحمه الله: " أوحيت بمعنى أمرت وإلى صلة يقال وحى وأوحى بمعنى قال الله تعالى بأن ربك أوحى لها وقال العجاج ثم وحى لها القرار فاستقرت ثم أي أمرها بالقرار فاستقرت وقيل أوحيت هنا بمعنى أمرتهم وقيل بينت لهم " (القرطبي 6/ 363)
وقال القرطبي رحمه الله: " والوحي في كلام العرب معناه الإلهام ويكون على أقسام وحي بمعنى إرسال جبريل إلى الرسل عليهم السلام ووحي بمعنى الإلهام "
والذي يهمنا الآن هومعرفة الوحى لأم موسى ومريم وهل هو وحي نبوة أو لا، وهل هما من الأنبياء أم لا؟
وإذا علم أن الإجماع على أن ليس في النساء نبيه، فكيف توجيه وتخريج قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} وحديث لأحمد " عن أبي سعيد رفعه: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران " وإسناده حسن؟
فيقال بعد العون من الله:
اعلم هديت العلم النافع والعمل الصالح، أن من معاني الوحي:
الأخبار والأمر ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} سورة المائدة / 111.
وتارة يكون بمعنى الإلهام بقذفه في القلب ومنه قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} سورة النحل / 68.
وأصرح منه أيضاً آية أم موسى عليه السلام: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} سورة القصص / 7
والمعنى: ألهم الله أم موسى أن ترضعه، فإذا خافت عليه، أن تلقيه!! ويالله ما أروع هذا الدرس:
معلوم أن الإنسان إذا خاف على شيء، حفظه وأمسكه خشية ضياعه، ولكن كان التوجيه إلى أمه موسى نعم اقذفيه ليخرج من حماية البشر، إلى حماية الله تعالى، توكلاً على الله تمام التوكل، وهنا لم يكن لأم موسى من بُدّ في الإستجابة.
ولو أمعنّا النظر في طيات كتب أهل العلم، وفي التفسير خاصة لوجدنا أنهم ينصون على أن أم موسى و مريم بنت عمران ليستا من الأنبياء، وكذا غيرها.
يقول ابن جرير رحمها الله في تفسيره (20/ 29):
" يقول تعالى ذكره وأوحينا إلى أم موسى حين ولدت موسى أن أرضعيه.
وكان قتادة يقول: معنى ذلك وأوحينا إلى أم موسى قذفنا في قلبها. حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة وأوحينا إلى أم موسى وحيا جاءها من الله فقذف في قلبها وليس بوحي نبوة "
وقال القرطبي رحمه الله: " واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى فقالت فرقة كان قولا في منامها وقال قتادة كان إلهاما وقالت فرقة كان بملك يمثل لها قال مقاتل أتاها جبريل بذلك فعلى هذا هو وحي إعلام لا إلهام وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية وإنما إرسال الملك إليها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور (القرطبي 13/ 250)
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " وقوله وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي وهذا أيضا من الإمتنان عليه عليه السلام بأن جعل له أصحابا وأنصارا ثم قيل المراد بهذا الوحي إلهام كما قال تعالى وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه الآية وهو وحي إلهام بلا خلاف وكما قال تعالى وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون " (2/ 116)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع (12/ 398):
¥