قال في الفتح بعد سوق الأحاديث الدالة عليه: وهذا يعارض ما تقدم واما إمضاء عمر الثلاث عليهم مع عدم مخالفة الصحابة له ولعلمه بانها كانت واحدة فلا يمكن إلا وقد أطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ، أو لعلمهم بانتهاء الحكم لذلك، لعلهم بإناطته بمعان علموا أنتفاءها في الزمن المتأخر. وقول بعض الحنابلة: توفى رسول الله ? عن مائة ألف عين راته فهل صح لكم عنهم أو عن عشر عشر عشرهم القول بوقوع الثلاث باطل.
واما أولاً – فإجماعهم ظاهر، لأنه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر حين أمضى الثلاث، ولا يلزم في نقل الحكم الإجماعي عن مائة ألف تسمية كل في مجلد كبير لحكم واحد على انه إجماع سكوتي.
وأما ثانياًُ – فالعبرة في نقل الإجماع نقل ما عن المجتهدين والمائة الألف لا يبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين، كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ وأنس وأبي هريرة، والباقون برجعون إليهم ويستفتون منهم , قد ثبت النقل عن أكثرهم صريحاً بإيقاع الثلاث، ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال، وعن هذا قلنا: لو حكم حاكم بانها واحدة لم ينفذ حكمه، لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف. وغاية الأمر فيه أن يصير كبيع أمهات الأولاد، أجمع على نفيه وكن في الزمن الأول يبعن. انتهى.
وأنت تعلم ان الحنابلة القائلين بعدم وقوع الثلاث يناقشون في هذه المقدمات، لأن الإجماع لم يتم، لما ثبت أن أبن عباس لم يوافق، وكذا الزبير وعبد الرحمن وغير واحد من الصحابة والتابعين وتابع التابعين، ولم ينعقد إجماع القرون الثلاثة على ذلك كما تقدم، كما سيتضح من بحث الإجماع الآتى إن شاء الله تعالى، وأن هذه المسالة يعدونها كسائر المسائل الخلافية التى لم يقم الإجماع عليها فللاجتهاد فيها مجال، كذا قالوا.
وقال الوالد عليه الرحمة في سورة الطلاق من كلام طويل تفسيره ما نصه: والمراد بإرسال الثلاث دفعة واحدة ما يعم كونها بألفاظ متعددة، كأن يقال: أنت طالق، أنت طالق، أو بلفظ واحد، كان يقال: أنت طالق ثلاثاً، وفي وقوع هذا ثلاثاًُ خلاف، وكذا في وقوع الطلاق مطلقاً في الحيض، فعند الإمامية لا يقع الطلاق بلفظ الثلاث، ولا في حالة الحيض لأنه بدعة محرمة، وقد قال ?: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) ونقله غير واحد عن ابن المسيب وجماعة من التابعين.
وقال قوم منهم – فيما قيل – طاوس وعكرمة: الطلاق ثلاث بفم واحد يقع به واحدة.
وروى هذا أبو داود عن ابن عباس، وهو أختيار الشيخ ابن تيمية من الحنابلة. وفي الصحيحين أن أبا الصهباء قال لابن عباس: ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله ? وابي بكر وصدراً من خلافة عمر ?؟ قال: نعم. وفي رواية لمسلم: أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله ? وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: إن الناس قد أستعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فامضاه عليهم. ومنهم من قال في المدخول بها: يقع ثلاث وفي الغير واحدة، لما في مسلم وأبي داود والنسائي أن أبا الصهباء كان كثير السؤال من ابن عباس قال: أما علمت أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاًُ قبل أن يدخل بها جعلوا ذلك واحدة على عهد رسول الله ? وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر.؟ الحديث.
والذى ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من ائمة المسلمين ومنهم الأئمة الأربعة – وقوع الثلاث بفم واحد. ثم أجاب بما تقدم بعضه وأطال، وبسط القيل والقال، فإن أردت كمال الوقوف على هذه المسألة فارجع إليه وإلى الكتب المفصلة.
غير أنه قد تبين أن هذا القول لم ينفرد به الشيخ ابن تيمية، وأن شبهته في ذلك قوية، ومع ذا، فهي من المسائل الاجتهادية. هذا، ومن الغريب ما ذكرت الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة في شرحه للطريقة المحمدية في هذه المسألة ما نصه: وقد رايت رسول الله ? فسألته في المطلقة بالثلاث في المجلس الواحد، كيف حكمه عندك يا رسول الله؟ فقال: ((هي ثلاث)) كما قال ((لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)) فقلت له إن جماعة من أهل الظاهر حكموا أنها واحدة؟ فقال: ((هؤلاء حكموا بما وصل إليهم وأصابوا، وحكى أنا في المسألة ما ذكرت لك)) وفي رؤيا طويلة، فمن
¥