وفي مصنف بن ابي شيبة (32594) حدثنا وكيع قال ثنا جعفر بن بركان عن يزيد بن الأصم قال كانت عائشة تكره صوت الجرس والكراهة عندهم تدل على التحريم ولكن يزيد سمع من أبي هريرة وميمونة وبن عباس ولا أعلم هل سمع من عائشة؟
ويشهد لهذا الأثر ما رواه أحمد في مسنده (24859) وأبو داود في سننه (3695) من طريق بن جريج عن بنانة مولاه عبد الرحمن بن حيان الأنصاري عن عائشة أم المؤمنين قالت: بينا هي عندها إذ دخل عليها بجارية عليها جلاجل يصوتن فقالت لا تدخلوها علي إلا أن تقطعوا جلاجلها فسألتها بنانة عن ذلك فقالت سمعت رسول الله r يقول لا تدخل الملائكة بيتاً فيه جرس ولا تصحب رفقة فيها جرس. وفيه تدليس بن جريج وبنانة لا تعرف لكن يشهد له ما قبله من كراهة عائشة وقال عنه النووي سنده جيد وهو معلول بما عرفت، ولكن يشهد لمتن حديث عائشة هذا (لاتدخل الملائكة بيتاً فيه جرس ... ) حديث مسلم: لاتصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس) فيكون به حسن لغيره إن شاء الله.
ويشهد لكراهة عائشة الصديقة رضي الله عنها ما رواه أحمد في مسنده (24032) حدثنا بن جريج أخبرني عبدالكريم أن مجاهداً أخبره أن مولى لعائشة أخبره أنه كان يقود بها أنها كانت إذا سمعت صوت الجرس أمامها قالت قف بي فيقف حتى لا تسمع وإذا سمعته ورآها قالت أسرع بي فيقف حتى لا تسمع وإذا سمعته ورآها قالت أسرع بي حتى لا أسمعه وقالت قال رسول الله (إن له تابعاً من الجن). (وهذا سند صحيح) وهذا شاهد لما رواه أبو داود (369) من طريق بن جريج أخبرني عمر بن حفص أن عامر بن عبدالله قال علي بن سهل بن الزبير أخبره أن مولاة لهم ذهبت بابنة الزبير إلى عمر بن الخطاب وفي رجلها أجرس فقطعها عمر ثم قال: سمعت رسول الله r يقول إن مع كل جرس شيطاناً وفي سنده عمر بن حفص قال عنه الذهبي وثق وقال بن حجر مقبول يعني إذا توبع وإلا ضعيف ووثقه بن حبان.
قال: العلامة الألباني رحمه الله: كذا الأصل وهو وهم والصواب عامر بن عبدالله بن الزبير كما في سنن أبي داود وسبب الوهم أنَّ أبا داود رواه عن شيخين له بإسنادهما عن عمر بن حفص أن عامر بن عبدالله قال احدهما (وهو على بن سهل بن الزبير) أخبره أن مولاه لهم،
فوقع النظر عند نقل الحديث على عبارة أن الزبير أخبره دون أن يتنبه أن لفظ بن الزبير زيادة في نسب عامر لا في سنده وقد ترتب على ذلك أن صار الحديث صحيحاً وهو ضعيف.
قلت: أنى له الصحة أيضاً وفيه عمر بن حفص لم يوثقه إلا بن حبان وقال عنه بن حجر مقبول يعني إذا توبع وقال الذهبي وثق ولم يذكر من وثقه ولعله يعني بن حبان. ولكن يشهد له ما قبله.
قلت: ولقد تبين من خلاف أهل العلم والأحاديث والأثار التي ذكرت في الباب أنَّ الراجح أنَّ الكراهة في الجرس كراهة تحريم لا تنزيه أي أنه محرم وذلك لما يلي:
اولاً/ لأنَّهُ يطرد الملائكة سواءً من الرفقة أو من البيت كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: [لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس] وإذا كانت لا تصحب الرفقة فكيف يقال تدخل بيتاً فيه جرس. (1)
ولا يجوز طرد الملائكة من أجل ذلك حرم تعليق الصور في المنازل وهو قوله r كما في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: إن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه كلب أو صورة. وكذلك قال r في الجرس قال بن حزم: إن الصورة إذا عرضت طردت الملائكة ولا يجوز طرد الملائكة قلت وكذلك لايجوز طردها بالجرس ولا أحد يقول بكراهة أو بجواز إقتناء شئ يكون سبباً في طرد ملائكة الرحمة.
فإذا كان طرد المؤمنين بلا ذنب أو سبب شرعي محرمة لأنها أذية له فكيف بمن لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ويقول شيخ الإسلام: الشريعة جاءت بالمتماثلات فلم تفرق بين متماثلين ولم تجمع بين متفرقين فالقول بتحريم طرد الملائكة بالجرس كتحريم طردهم بالصور ولذلك تغير النبي ووقف بالباب ولم يدخل لما كان في بيته صور لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة وكذلك ينبغي أن يكون موقف صاحب البيت الذي فيه جرس
(2)
¥