تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم سب الأموات]

ـ[أحمد نجيب]ــــــــ[13 - 09 - 03, 08:55 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[حكم سب الأموات]

السؤال:

ما حكم الشرع فيمن يسب الأموات، أو يذكرهم بسوء، أو يكشف سوءاتهم و يتتبع عوراتهم؟

الجواب:

أقول مستعيناً بالله تعالى:

إن الله تعالى جعل حرمة المسلم من أكبر الحُرمات، و أوجب صونها على المسلمين و المسلمات، و هذا ما فهمه السلف قبل الخلف؛ فقد روى ابن حبان و الترمذي بإسنادٍ حسن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال: (ما أعظمَكِ و أعظمَ حُرمتِكِ! و المؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ).

و حرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة و بعد الممات و يجب صونها و الذب عنها في كلّ حال، و على كلّ حال.

روى البخاري أن عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما شهد جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها بِسَرِفَ فَقَالَ: (هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوهَا وَ لا تُزَلْزِلُوهَا و ارْفُقُوا).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله [كما في فتح الباري: 9/ 113]: يُستفاد من هذا الحديث أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، و فيه حديث (كسْرُ عَظْمِ المؤمن ميْتاً كَكَسرِهِ حياً) أخرجه أبو داود و ابن ماجه و صححه ابن حبان. اهـ.

قلت: هذا الحديث حسَّن الجلال السيوطي في الجامع الصغير إسناده عن أم سلمة رضي الله عنها، و ليس كما قال، و سكت عن بيان درجة إسناده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، و هو إسناد صحيح، فتنبه.

و من المعلوم أن نصوص الشريعة جاءت بتحريم سب المسلم على الإطلاق و لم تفرِّق في النهي بين الأحياء و الأموات، و شددت في الوعيد لمن سبَّ مسلماً و من ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَ قِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه الشيخان و غيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر: (في الحديث تعظيم حق المسلم، و الحكم على من سبه بغير حق بالفسق).

و روى مسلم في صحيحه و أبو داود و الترمذي كل في سننه، و أحمد في مسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال: (المستبان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم).

أي أنَّ إثم ما يقع من سباب المتسابَّيْن ينوء به الأول، لأنه المتعدِّي، و المتسبب في الإثم فيبوء به كلُّه، إلا إن تطاول المنافح عن نفسه فزاد في الانتصار لنفسه عن القدر المشروع في دفع الظلم، فيلحقه حينئذٍ إثم الزيادة و التعدي، كما نص على ذلك الإمام النووي رحمه الله و غيره من شراح الحديث.

و هذه النصوص و غيرها تراعي حرمة المسلم دون تفريق بين حال حياته، و ما بعد مماته، و يستفاد منها مجتمعة أن سبَّ المسلم على العموم كبيرة مفسّقة.

فإذا أضيف إليها ما جاء في النهي عن سبِّ الأموات على الخصوص، صار التحريم آكَد و النهي أبلغ.

روى البخاري و النسائي و أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا)، و قد بوَّب البخاري على هذه الحديث في الصحيح، فقال: (باب ما ينهى من سبِّ الأموات).

و علَّل بعض أهل العلم النهي عن سبِّ الأموات بما يلحق الأحياء بسببه من الأذى الذي لا يبلُغ الميت بحال.

قال ابن حبان في صحيحه: ذكر البعض من العلة التي من أجلها نهى عن سب الأموات، ثم روى بإسناده إلى زياد بن علاقة أنه سمع المغيرة بن شعبة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء) [صحيح ابن حبان: 3022].

قلتُ: و روى هذا الحديث الترمذي في سننه، و أحمد في مسنده، و حسنه الطبراني في معجمه الصغير، و ليس كما قال، بل في إسناده مقال، و إن كان معناه صحيحاً محتملاً، و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير