للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد شهدت السنة النبوية الثاتبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجواز فعل القطع عند الحاجة إليه في العلاج.

ففي الصحيح من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه" (١).

فقد أقر عليه الصلاة والسلام الطبيب على فعله القطع، ولم ينكره عليه فدل ذلك على جواز فعله للعلاج والمداواة (٢).

وإقدام الأطباء على قطع الأعضاء وإبانتها إتلاف أجازته الشريعة الإسلامية لمكان المصلحة المرجوة من ذلك الفعل، ومفسدته أخف من مفسدة بقاء تلك الأعضاء التي أصيبت بالآفات الموجبة لقطعها، كما أشار إلى ذلك الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- عند بيانه لمراتب الإتلاف بقوله: "أحدهما: إتلاف لإصلاح الأجساد، وحفظ الأرواح، كإتلاف الأطعمة ... ويلحق به قطع الأعضاء المتآكلة حفظًا للأرواح، فإن إفساد هذه الأشياء جائز للإصلاح" (٣) اهـ.

فلما كان المقصود من هذا الإتلاف الإصلاح المشتمل على حفظ الروح من الهلاك المتوقع من بقاء الأعضاء التي يراد قطعها جاز فعله، لأنه من باب دفع المفسدة العليا بارتكاب المفسدة الدنيا (٤)، ومن قواعد الشريعة الإسلامية: "أنه إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا


(١) تقدم تخريجه انظر ص (٨٨).
(٢) استشهد بهذا الحديث الإمام ابن القيم -رحمه الله- في الطب النبوي على جواز القطع ومشروعيته. الطب النبوي ٤٩.
(٣) قواعد الأحكام لابن عبد السلام ٢/ ٨٧.
(٤) تهذيب الفروق محمد علي حسين ١/ ٢١٠.

<<  <   >  >>