للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في دفعه قبل وقوعه لئلا يؤدي إلى ضرر بالمجتمع، ونظرًا لذلك فإننا نجد من الفقهاء المتقدمين -رحمهم الله- من اعتبر إذن ولي الأمر في الجراحة الخطيرة واستحبه. قال الإمام مالك (١) -رحمه الله-: " ... إني لأحب للإمام أن يتقدم إلى هؤلاء الأطباء في قطع العروق، وما أشبهه، ألا يقدم أحد منهم على عمله إلا بإذنه، فإني لا أزال أسمع بطبيب قد عالج رجلاً فقطع عرقه، أو صنع به شيئًا فأعنته فمات منه، ولم أره يجعل على الذي عرف بالعلاج فيعالج بما يعرف شيئًا، ولكنه يستحب أن ينهى عن الأشياء التي فيها هلاك الناس إلا بإذن الإمام .. " (٢) اهـ.

فبين -رحمه الله- شرعية الرجوع إلى ولي الأمر في الجراحة الطبية الخطيرة، نظرًا لما يترتب عليها من هلاك الناس، وأن له الحق في نهي الأطباء عن الأشياء التي فيها هلاك للناس، ويعرف ذلك عن طريق سؤاله لأهل الخبرة، كما بين ذلك الإمام ابن رشد الجد -رحمه الله- في شرحه لكلام الإمام مالك المتقدم بقوله -رحمه الله-:

"وإذا تقدم السلطان إلى الأطباء ألا يداوي أحدهم ما يخاف منه، وفيه غرر إلا بإذنه فوجه العمل في ذلك إذا استؤذن أن يجمع أهل تلك الصناعة، فإن رأوا أن يداوي العليل بذلك الدواء المخوف داواه به، ولم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، إن مات منه، وإن رأوا ألا يجبر عليه بذلك الدواء المخوف نهاه عن سقيه إياه، فإن تعدى ضمن في


(١) هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن عمرو الأصبحي إمام دار الهجرة، ولد -رحمه الله- بالمدينة سنة ٩٣ من الهجرة على الأشهر، وهو إمام المذهب المالكي، وفضله ومكانته في العلم والورع والزهد مشهورة، توفي -رحمه الله- بالمدينة سنة ١٧٩ من الهجرة. من تآليفه: الموطأ، رسالة في الرد على القدرية، رسالة في الأقضية. الديباج المذهب لابن فرحون ١٧، ١٨، ٢٧، ٢٨.
(٢) البيان والتحصيل لابن رشد ٩/ ٣٤٨.

<<  <   >  >>