للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالآلام المبرحة وتشويه الخلقة بقطع الأيدي والأرجل، فوجب حينئذ عدم الالتفات للمصالح المترتبة على فعلها تقديمًا لهذه المفاسد في الاعتبار ومن ثم لا يجوز فعلها شرعًا.

فالجواب: أنه تعارضت عندنا مفسدتان:

إحداهما: مفسدة المرض الجراحي وآلامه، وهي مترتبة على ترك المريض دون علاجه بالجراحة اللازمة.

الثانية: مفسدة الآلام المترتبة على فعل الجراحة.

فوجب حينئذ النظر في كلتا المفسدتين، وتقديم أعظمهما ضرراً على أخفهما إعمالاً للقاعدة الشرعية التي تقول: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما" (١).

فوجدنا أن مفسدة المرض الجراحي وآلامه مفسدة متعدية باقية، فهي متعدية نظرًا لأن الأمراض الجراحية تزداد وتتضاعف إلى أن تنتهي بالمريض إلى الموت في الغالب، وباقية لأن الألم لا يزول إلا بزوال المرض المسبب له وهو باق في حالة عدم علاجه بالجراحة اللازمة.

ثم وجدنا مفسدة الآلام المترتبة على الجراحة مؤقتة تزول بعد فترة معينة قد لا تصل في بعض الأحوال إلى اليوم، واليومين، كما أن الكثير منها أمكن تخفيفه في العصر الحاضر بسبب تقدم الوسائل الطبية وطرق العلاج، فهي إذًا أخف من مفسدة الأمراض الجراحية وآلامها، فوجب حينئذ تقديم مفسدة الأمراض عليها، وعدم الالتفات إلى ما ينشأ عن


(١) الأشباه والنظائر للسيوطي ص ٨٧، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص٨٩. ويعبر عنها بعض الفقهاء بقوله: "يختار أهون الشرين". قواعد الفقه للمجددي ص ١٤٠، وشرح القواعد الفقهية للزرقاء ص ١٤٩.

<<  <   >  >>