للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مواضع التقديم والتأخير: النفي]

فصل- التقديم والتأخير في النفي:

١١٦ - وإذا قد عرَفْتَ هذه المسائلَ في "الاستفهام"، فهذهِ مسائلِ في "النَّفي".

إذا قلْتَ: "ما فعلتُ"، كنْتَ نَفَيْتَ عنك فِعْلاً لم يَثْبتْ أَنه مفعولٌ وإِذا قلتَ: "ما أنا فعلْتُ"، كنتَ نفيت عنك فعلا يثبت أَنه مفْعُولٌ١.

تفسيرُ ذلك: أَنك إذا قلتَ: "ما قلتُ هذا"، كنتَ نَفيتَ أن تكونَ قد قلْتَ ذاك، وكنتَ نُوظرْتَ في شيءٍ لم يَثْبُتْ أنه مَقُولٌ؟

وإِذا قلتَ: "ما أنا قلتُ هذا"، كنتَ نفَيْتَ أن تكون القائلَ له، وكانتِ المناظرةُ في شيءٍ ثَبَتَ أنه مقُولٌ. وكذلك إذا قلتَ: "ما ضربتُ زيداً"، كنتَ نفيتَ عنكَ ضَرْبَه، ولم يَجِبْ أن يكونَ قد ضُرِبَ، بل يَجوزُ أن يكون ضَرَبَه غَيرُك، وأنْ لا يكونَ قد ضُرِبَ أصْلاً. وإِذا قلتَ: "ما أنا ضربْتُ زيداً"، لم تَقلْه إلاَّ وزَيدٌ مضروبٌ، وكان القصْدُ أن تَنْفي أنْ تكونَ أنتَ الضاربَ.

ومن أَجْل ذلك صَلُحَ في الوجهِ الأولِ أن يكونَ المَنْفيُّ عامّاً كقولك: "ما قلتُ شعراً قط"، و "ما أكلت اليوم شيئًا" و "ما أنا قلت شعرًا قط", "ما أنا أكلت اليوم شيئًا" و "ما أنا رأيت أحدًا من الناس"، وذلك أنه يقتضي المحال، وهو أن يكون ههنا إنسانٌ قد قالَ كلَّ شعرٍ في الدُّنيا، وأكلَ كلَّ شيءٍ يؤكلُ، ورأى كلَّ أحدٍ من الناس، فنفيت أن تكونه.


١ في المطبوعة: "ثبت أنه"، وفي "س": "نثبت" مشكولة.