للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فليس الفضْلُ للعلم بأنَّ "الواو" للجمع، و"الفاء" للتعقيب بغير تَراخٍ، و"ثم" له بشرطِ التَراخي، و"إنْ" لكذا و"إذا" لكذا، ولكنْ لأَنْ يتأتَّى لكَ إِذا نظَمْتَ شعراً وألَّفْتَ رسالةً أنْ تُحْسِنَ التخيُّرَ، وأن تَعْرِفَ لكلٍّ مِنْ ذلك مَوضِعَه.

٢٨٨ - وأمرٌ آخرُ إذا تأمَّله الإِنسان١ أَنِفَ من حِكايةِ هذا القولِ، فضْلاً عن اعتقادِه، وهو أنَّ المزيَّةَ لو كانت تَجبُ من أجْلِ اللغةِ والعِلْم بأوضاعِها وما أرادَهُ الواضعُ فيها، لكانَ يَنَبْغي أنْ لا تَجِبَ إلا بِمْثل الفرْقِ بين "الفاء" و "ثم" و "إنْ" و "إذا" وما أشبَهَ ذلك، مما يعبِّرُ عنه وضعٌ لغوي، فكانت لا تَجِبُ بالفصْل وتَرْك العْطفِ، وبالحذْفِ والتكرارِ، والتقديمِ والتأخيرِ، وسائرِ ما هو هيئةٌ يُحْدِثُها لك التأليفُ، ويَقْتضيها الغَرضُ الذي تَؤُم، والمعنى الذي تَقْصِد، وكانَ ينبغي أن لا تَجب المزيةُ بما يَبْتدِئه الشاعرُ والخطيبُ في كلامِهِ منِ استعارةِ اللفظ لشيءِ لم يُسْتَعَر له، وأنْ لا تكونَ الفضيلةُ إلاَّ في استعارةٍ قد تُعورِفَتْ في كلامِ العربِ. وكفى بذلك جَهْلاً.

٢٨٩ - ولم يكنْ هذا الاشتباهُ وهذا الغَلطُ إلاَّ لأنَّه ليس في جُملة الخفايا والمُشْكِلات أغربُ مَذْهباً في الغموض، ولا أَعْجَبُ شأناً، من هذه التي نحنُ بصَدَدِها، ولا أَكثرُ تفلُّتاًَ منَ الفَهْم وانْسلالاً منها وإنَّ الذي قاله العلماءُ والبلغاءُ في صفتِها والإِخبارِ عنها، رموزٌ لا يَفْهمُها إلاَّ مَنْ هُوَ في مثْلِ حالِهمْ مِنْ لُطْفِ الطَّبْع، ومَنْ هو مُهَيَّأٌ لِفَهْم تلكَ الإشاراتِ، حتى كأنَّ تلكَ الطباعَ اللطيفةَ وتلكَ القرائحَ والأذهانَ، قد تواضعَتْ فيما بينها على ما سَبيلُه سبيلُ الترجمةِ يِتَواطأُ عليها قومٌ فلا تَعْدُوْهم، ولا يعرفها من ليس منهم.


١ في المطبوعة وحدها: "إنان" بلا تعريف.