للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب اللفظ والنظم: فصل في "إن" ومواقعها

فصل:

خبر الكندي الفيلسوف مع ثعلب وزعمه أن في كلام العرب حشوا:

٣٧١ - واعلمْ أَنّ ممَّا أَغمضَ الطريقَ إِلى معرفَةِ ما نحنُ بصدده، أَنَّ ههنا فروقاً خفيَّةً تَجهلُها العامَّةُ وكثيرٌ من الخاصة، ليس أَنَّهم يَجْهلونَها في موضعٍ ويَعْرفونها في آخرَ، بل لا يَدْرون أَنها هي، ولا يَعْلمونها في جملةٍ ولا تفْصيل.

رُويَ عن ابن الأنباريِّ أَنه قال: ركبَ الكنْديُّ المتفلسِف إلى أبي العبّاس وقال له: إني لأَجِدُ في كلامِ العَرب حَشْواً! فقال له أبو العباس: في أي وضع وجَدْتَ ذلك؟ فقال: أَجدُ العربَ يقولون: "عبدُ الله قائمٌ"، ثم يقولون "إنَّ عبدَ الله قائمٌ"، ثم يقولونَ: "إنَّ عبدَ اللهَ لقائمٌ"، فالألفاظُ متكررةٌ والمعنى واحدٌ. فقال أبو العباس: بل المعني مختلفةٌ لاختلافِ الألفاظِ، فقولُهم: "عبدُ الله قائمٌ"، إخبار عن قيامه وقولهم: "إن عبد عبدَ الله قائمٌ"، جوابٌ عن سؤالِ سائلٍ وقوله: "إنَّ عبدَ اللهِ لقائمٌ"، جوابٌ عن إنكارِ مُنْكِرٍ قيامَهُ، فقد تَكرَرَّت الألفاظُ لتكرُّرِ المعاني. قال فما أَحَارَ المتفلسِفُ جواباً١.

وإِذا كان الكنديُّ يذَهْبُ هذا عليهِ حتى يَرْكَبَ فيه ركُوبَ مستفهِمٍ أو معْترِضٍ، فما ظنُّكَ بالعامَّة، ومَنْ هو في عِدادِ العامَّة، ممَّنْ لا يَخْطُرُ شبْهُ هذا بباله؟

دخول "إن" في الكلام، وخصائصها:

٣٧٢ - واعلمْ أنَّ ههنا دقائقَ لو أنَّ الكنديَّ استقرى وتصفَّحَ وتَتَبَّع مواقِعَ "إنَّ"، ثم ألْطَفَ النظرَ وأكثرَ التدبُّرَ، لعَلِمَ عِلْمَ ضرورةٍ أنْ ليس سواء دخولها وأن لا تدخل.


١ ضل عني موضع هذا الخبر الآن.