للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا جعْلُها إذا جُمِعَ بينها وبين "اللام" نحو: "إنَّ عبدَ الله لقائم" للكلامِ مع المنكَّر، فجيِّدٌ، لأنَّه إذا كان الكلامُ مع المُنَكَّر، كانت الحاجةُ إلى التأكيدِ أشدَّ. وذلك أنَّك أحوجُ ما تكونُ إلى الزيادة في تثبيت خيرك، إذا كانَ هناك مَنْ يَدْفعُه ويُنْكِر صحَّتَه، إلاَّ أنه يَنبغي أن يُعْلَم أنه كما يكونُ للإنكارِ قد كانَ مِن السامعِ، فإِنه يكون للإنكار يعلم أو يرى أن يكون من السامعين. وجلمة الأمر أنك لا تقولُ: "إنَّه لكذلك"، حتى تريد أن تضع كلامك وضع من يزغ فيه عن الإنكار١.

"إن" تدخل للدلالة على أن ظنك الذي ظننت مردود:

٣٨٧ - واعْلَمْ أنها قد تَدْخلُ للدلالة على أنَّ الظنَّ قد كان منكَ أيُّها المتكلِّمُ في الذي كان أنَّه لا يكونُ. وذلك قولُكَ لِلشيءِ هو بمرأى من المُخاطَبِ ومَسْمع: "إنه كان من الأمْر ما تَرى، وكان منِّي إلى فلانٍ إحسانٌ ومعروفٌ، ثم إنه جَعلً جَزائي ما رأيْت"، فتجعلُكَ كأنك تَردُّ على نفْسِك ظَنَّكَ الذي ظنَنْتَ، وتُبيِّنُ الخطأ الذي توهَّمْتَ. وعلى ذلك، واللهُ أعلمُ، قولُه تعالى حكايةً عن أمِّ مريم رضي الله عنهما: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: ٣٦]، وكذلك قولُه عزَّ وجَلَّ حكايةً عن نوحٍ عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُون} [الشعراء: ١١٧]، وليس الذي يَعْرِضُ بسببِ هذا الحرفِ من الدقائق والأُمور الخفيَّةِ، بالشيء يُدْرَك بالهُوَينا. ونحن نَقْتصِر الآن على ما ذكَرْنا، ونأخذُ في القولِ عليها إذا اتصلتْ بها "ما".


١ "وزعه عن الأمر يزعه وزعًا"، كفه ورده، ودفعه عنه.