للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس كلُّ كلام يصلُحُ فيه "ما"، و"إلا" يصلح فيه "إنما":

٣٨٩ - اعلمْ أنَّهم، وإنْ كانوا قَدْ قَالوا هذا الذي كتبته لك، فإنه لم يَعْنُوا بذلك أنَّ المعنى في هذا هُوَ المعنى في ذلكَ بعينِه، وأنَّ سبيلَهما سبيلُ اللفظَيْن يُوضَعان لمعنى واحدٍ. وفرقٌ بينَ أنْ يكونَ في الشيءِ معنَى الشيءِ، وبينَ أنْ يكونَ الشيءُ الشيءَ عَلَى الإطلاق.

يُبيِّنُ لكَ أنَّهما لا يكونان سواءً، أنه ليس كلُّ كلامٍ يصلُحُ فيه "ما" و "إلاَّ"، يصلحُ فيه "إنما". ألاَ تَرى أنها لا تَصْلُح في مثلِ قولِه تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّه} [آل عمران: ٦٢]، ولا نحوِ قولِنا: "ما أحدٌ إلاَّ وهُو يقولُ ذك"، إذْ لوْ قلتَ: "إنَّما مِنْ إلهٍ اللهُ" و "إنما أحَدٌُ وهو يقولُ ذاك"، قلتَ ما لا يكون له معنى.

فإن قلت: إن ذلك أنَّ "أحداً" لا يقعُ إلاَّ في النفيِ وما يَجْري مَجْرى النفي من النَهْي والاستفهام، وأنَّ "مِنْ" المَزيدةَ في "ما مِنْ إلهٍ إلا اللهُ"، كذلكَ لا تكونُ إلاَّ في النفي.

قيل: ففي هذا كفايةٌ، فإنه اعترافٌ بأنْ ليسا سواءً، لأنهما لو كانا سواءً لكانَ ينبغي أن يكونَ في "إِنما" مِنَ النفي مثلُ ما يكونُ في "ما" و "إلاَّ" وكما وجدتَ "إنما" لا تصلحُ فيما ذكرْنا، كذلك تجد "ما" و "إلا" لا تصْلُح في ضَرْبٍ من الكلام قد صلحتْ فيه "إنما"، وذلكَ في مثلِ قولكَ:"إنما هو دِرهمٌ لا دينارٌ"، لو قلتَ: "ما هو إلاَّ درهمٌ لا دينارٌ"، لم يكنْ شيئاً. وإذْ قد بانَ بهذه الجملةِ أنَّهم حينَ جعلوا "إنما" في معنى "ما" و "إلا"، لم يَعْنوا أنَّ المعنى فيهما واحدٌ على الإطلاق، وأن يُسْقطوا الفرْقَ١ فإني أُبَيِّن لكَ أمرَهُما، وما هو أصْلٌ في كلِّ واحدٍ منهما، بعون الله وتوفيقه.


١ السياق: "وإذ قد بان بهذه الجملة ..... فإني أبين لك ... ".