للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إنما"، تجيء لخبر لا يجهله المخاطب، وتفسير ذلك:

٣٩٠ - إِعْلم أنَّ موضوعَ "إنما" على أن تجيءَ لخَبرٍ لا يَجهلُهُ المخاطَبُ ولا يَدفعُ صِحَّتَه، أو لا يُنزَّلُ هذه المنزلةَ١.

تفسيرُ ذلك أَنكَ تقولُ للرجل: "إنما هو أخوك" و "إنما هُوَ صاحُبك القديمُ": لا تقولُه لِمَنْ يَجْهلُ ذلك ويدفَعُ صحَّتَه، ولكنْ لِمَن يَعْلَمُه ويُقِرُّ به، إلاَّ أنَّك تُريد أن تُنَبِّهَهُ للذي يجبُ عليه من حقِّ، الأخِ وحُرْمةِ الصاحبِ، ومثله قوله٢:

إنما أنتَ والدٌ، والأبُ القا ... طِعُ أحْنى مِنْ واصلِ الأولادِ٣

لم يُرد أن يُعْلِمَ كافوراً أنه والدٌ، ولا ذاكَ مما يحتاجُ كافورٌ فيه إلى الإِعلام، ولكنه أراد أنْ يُذكِّرَهُ منه بالأمر المعلوم ليبنى عليه استداء ما يُوجِبهُ كونُهُ بمنزلةِ الوالدِ٤.

ومثلُ ذلك قولُهم: "إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخْشَى الفَوْتَ"، وذلكَ أنَّ مِن المعلومِ الثابتِ في النفوسِ أنَّ من لم يخشى الفوتَ لَمْ يَعْجَل.

ومِثالُه مِنَ التنزيلِ قولُه تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأَنعام: ٣٦]، وقولُه عز وجل: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: ١١]، وقولُه تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: ٤٥]، كلُّ ذلكَ تذكيرٌ بأمرٍ ثابتٍ معلومٍ. وذلك أنَّ كلَّ عاقلٍ يَعْلَم أنَّه لا تكونُ استجابة إلا ممن


١ انظر ما سيأتي أيضًا برقم: ٤١٨.
٢ في المطبوعة و "ج" "قول الآخر"، كأنه سهو.
٣ هو المتنبي، في ديوانه.
٤ في المطبوعة: "لينبني".