للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب اللفظ والنظم]

فصل: إزالة شبهة في شأن "النظم والترتيب"

٤٢٦ - اعلم أنه لا يصحل تقدير الحكاية في "النظم والتتريب"، بل لن تعدُوَ الحكايةُ الألفاظَ وأجراسَ الحروفِ، وذلك أنَّ الحاكي هو مَنْ يأتي بمثْلِ ما أتى به المحكي عنه، ولابد من أن تكونَ حكايتُه فعلاً لَهُ، وأَنْ يكونَ بها عاملًا عملًا مثل عمل المحي عنهُ، نحو أَن يصوغَ إنسانٌ خاتَماً فيُبْدعَ فيه صنعة، ويأتي في صناعته بخاصة تستعرب، فيعمد واحد آخر فيعل خاتماً على تلك الصُّورةِ والهيئةِ، ويجيءَ بمِثْلِ صنْعَتهِ فيه، ويُؤدِّيها كما هي، فيقالُ عند ذلك: "إنه قد حكى عمل فلان، وصنة فلان".

٤٢٧ - و "النظم والترتيبُ" في الكلامِ كما بيَّنَّا، عَملٌ يَعْمَلُه مؤلف الكلام في معاني الكلام لا في ألفاظِها، وهو بما يَصْنعُ في سبيلِ مَنْ يأخذُ الأصباغَ المختلفةَ فيتوخَّى فيها ترتيبًا يحدث عنه ضروب من النقشِ والوَشْي. وإذا كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّا إنْ تعدَّينا بالحكايةِ الألفاظَ إلى النظمْ والترتيبِ، أدَّى ذلك إلى المُحال، وهو أنْ يكونَ المُنْشِدُ شعرَ أمرئ القيس، قد عَمِلَ في المعاني وترتيبها واستخراج النتائجِ والفوائدِ، مثْلَ عملِ امرئ القيس، وأنْ يكونَ حالُه إذا أَنشدَ قولَه:

فقلتُ لهُ: لما تَمطَّى بصُلْبه ... وأَرْدَف أَعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ١

حالَ الصائغِ يَنْظُر إلى صورةٍ قد عَمِلها صائغٌ مِنْ ذهبٍ لهُ أو فضة، فيجيء بمثلها من ذبه وفضَّتهِ. وذلك يخْرجُ بمُرتكِبٍ، إنْ ارْتَكَبَه، إلى أن يكون


١ هو شعر امرئ القيس، كما هو معروف.
الراوي مستحقًا لأن يوصف بأنه: "استعار" و "شبه"، وأن يُجْعَل كالشّاعرِ في كل ما يكونُ به ناظماً، فيُقال: إنه جعَلَ هذا فاعلاً، وذاك مفعولاً، وهذا مبتدأ، وذاك خبراً، وجعلَ هذا حالاً، وذاكَ صفةً، وأنْ يُقالَ: "نَفَى كذا" و "أثبت كذا"، و "أبدل كذا من كذا". و "أضاف كذا إلى كذا"، وعلى هذا السبيل، كا يقال ذاك في الشاعر. وإذا قيل ذلك، لزمه منه أنْ يُقال فيه: "صدَقَ، وكَذَبَ"، كما قال في المحْكيِّ عنه، وكفَى بهذا بُعْداً وإحالةً. ويجمع هذا كله، أنه يلزم مننه أن يُقال: "إنه قال شعراً"، كما يقال فيمنْ حَكَى صَنعةَ الصّائغِ في خاتَمٍ قد عَمِلَه: "إنه قد صاغ خاتماً".