للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مؤلِّفاً، وتُشَبَّهُ معه بِمَنْ عَمِلَ نَسْجاً أو صنَعَ على الجملةِ صَنيعاً، ولم يُتصوَّر أنْ تكون قد تخيرت لها المواقع.

استدلال على أن "النظم" هو توخي معاني النحو، وهو مهم:

٤٤٤ - وفساد هذا وشبهه من الظنِّ، وإنْ كان معلوماً ظاهراً، فإنَّ ههنا استدلالًا لطيفًا تكثر بسببه الفائدة. وهو أن يُتصَوَّر أنْ يعمَدَ عامِدٌ إلى نظْم كلامٍ بعينهِ فيُزيلَه عنِ الصورةِ التي أرادَها الناظمُ له ويُفْسِدَها عليه، من غير أَن يُحَوِّلَ منه لفظاً عن موضِعه، أَو يُبَدِّلَه بغيره، أو يُغيِّر شيئاً من ظاهر أمرهِ على حالٍ.

مثالُ ذلك: أنَّكَ إنْ قدَّرْتَ في بيت أبي تمام:

لعاب الأفاعي القاتلات لغابه ... وأَرْيُ الجَنى اشتارَتْه أيْدٍ عواسِلُ١

أنَّ "لعابَ الأفاعي" مبتدأٌ و "لعابُه" خبرٌ، كما يُوهِمُه الظاهر، أفسدْتَ عليه كلامَه، وأبطلْتَ الصورةَ التي أرادها فيه. وذلك أنَّ الغرضَ أنْ يُشَبِّه مداد قلمهِ بلعاب الأفاعي، على معنى أنه إذا كتب في إقامة السياسات أتلف به النفوس، وكذلك الغرضَ أنْ يُشَبِّه مِدادَهُ بأرْي الجنَي٢، على معنى أنه إِذا كتَبَ في العطايا والصِلاتِ أوصَلَ به إلى النفوس ما تَحْلو مذاقَتُه عندها، وأدْخَل السرورَ واللذةَ عليها. وهذا المعنى إنما يكونُ إِذا كان "لعابُه" مبتدأ، و "لعاب الأفاعي" خبرًا، فأما تقديرك أنت يكون "لعاب الأفاعي" مبتدأ


١ في ديوانه، وهو من جيد شعره في وصف القلم. و "الأرى"، العسل، و "اشتارته"، جنته من الخلايا. و "العواسل" التي تطلب العسل.
٢ من أول قوله: "مداد قلمه بلعاب الأفاعي" إلى أول قوله: "مداده بلعاب الأفاعي"، ساقط في "ج" سهوًا من الناسخ، وكذلك سقط من المطبوعة سهوًا عن صحة المعنى.