للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموازنة بين المعنى المتحد واللفظ المتعدد]

٥٦٩ - واعلمْ أنه إنما أُتِيَ القومُ مِنْ قِلَّة نظرهم في الكتب التي وضعها العلماء اختلافِ العبارتَين على المعنى الواحد، وفي كلامهم في أَخْذ الشاعرِ مِنَ الشاعرِ، وفي أنْ يقولَ الشاعرانِ على الجملةِ في معنى واحدٍ، وفي الأَشعارِ التي دوَّنوها في هذا المعنى. ولو أنهم كانوا أخَذُوا أنفُسَهم بالنظرِ في تلك الكتبِ، وتدبَّروا ما فيها حقَّ التدَبُّر، لكان يكونُ ذلك قد أيقظَهم مِن غفْلَتهم، وكشف الغطاء عن أعينهم.

الشاعران يقولان في معنى واحد وهو قسمان:

٥٧٠ - وقد أردتُ أن أكتبَ جملةً من الشِّعْر الذي أنتَ ترى الشاعرَيْن فيه قدْ قالا في معنىً واحدٍ، وهو يَنقَسِمُ قسمين:

قَسمٌ أنتَ ترَى أحدَ الشاعرَين فيه قد أتى بالمعنى غُفْلاً ساذَجاً، وترى الآخَرَ قد أخرجَه في صورةٍ تَروقُ وتُعْجِبُ.

وقسمٌ أنتَ ترى كلَّ واحدٍ من الشاعرَين قد صَنعَ في المعنى وصور.

القسم الأول: أحدهما غفل، والآخر مصور

٥٧١ - وأبدأُ بالقسمِ الأول الذي يكونُ المعنى في أحد البيتين غفلًا، وفي القسم الأول: الآخَرِ مصوَّراً مَصْنوعاً، ويكونُ ذلك إمَّا لأنَّ متأَخِّراً قصَّر عن مُتقدِّم، وإمَّا لأنْ هُدى متأخرٍ لشيءٍ لم يَهْتدِ إليه المتقدِّمُ.

ومثالُ ذلك قول المتنبي١:

بسئ اللَّيالي سَهِدْتُ مِنْ طَرَبي ... شَوْقاً إِلى مَنْ يَبيتُ يَرْقُدُها٢


١ أكثر اختيار عبد القاهر هنا عن أبي تمام والبحترى والمتبني وغيرهم من أصحاب الدواوين المطجبوعة، فسأترك الإشارة إلى دواوينهم في التعليق إلا عند وجود اختلاف.
٢ هو في ديوانه، وكان في المطبوعة: "سهرت".