للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكناية والاستعارة والتمثيل بالاستعارة]

فصل: في اللفظ يطلق والمراد به غيرُ ظاهره

بيان في الكناية والمجاز والاستعارة:

٥٧ - إِعْلَم أنَّ لهذا الضرْبِ اتساعَا وتفنُّناً لا إلى غايةٍ، إلاَّ أنَّه على اتِّساعه يَدورُ في الأمر الأعم على شيئين: "الكناية" و"المجاز".

٥٨ - والمراد بالكناية ههنا أن يُريد المتكلمُ إثباتَ معنًى من المَعاني، فلا يذكُرُه باللّفظِ الموضوعِ له في اللُّغة، ولكنْ يَجيءُ إلى معنى هو تاليهِ ورِدْفُه في الوجود١، فيومئ به إليهِ، ويجعلهُ دليلاً عليه، مثال ذلك قولُهم: "هو طَويلُ النَّجاد"، يريدونَ طويلَ القامة "وكثيرُ رمادِ القِدْر" يَعْنون كثيرَ القِرى وفي المرأة: "نَؤومُ الضُّحى"، والمرادُ أنها مُتْرفةٌ مخَدْومة، لها مَنْ يَكفيها أمْرَها٢، فقد أرادوا في هذا كُله، كما تَرى، معنًى، ثمَّ لم يَذْكُروه بلفظِه الخاصِّ به، ولكنّهُم تَوصَّلوا إِليه بِذِكْر معنًى آخر مِنْ شأنِه أن يَرْدُفَه في الوجود، وأنْ يكونَ إذا كانَ. أَفلا تَرى أنَّ القامةَ إذا طالتْ طالَ النجادُ؟ وإِذا كثُرَ القِرى كثُرَ رَمادُ القِدْر؟ وإِذا كانتِ المرأةُ مُتْرفةً لها مَنْ يَكفيها أَمْرَها، رَدِف ذلك أَنْ تنامَ إلى الضُّحى.

٥٩ - وأمَّا "الَمجاز"، فقد عوَّل الناسُ في حدِّه على حديثِ النَّقْل، وأنَّ كلَّ لفظٍ نُقِلَ عن موضوُعهِ فهو "مَجاز"، والكلامُ في ذلك يطولُ، وقد ذكرت


١ في "س"، وفي نسخة أخرى عند رشيد رضا: "ورادفه"، وهما بمعنى التابع، "ردفه يردفه" تبعه.
٢ "أمرها"، أسقطها في "س".