للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُخرى" فالأصْل في هذا: أَراكَ في تَردُّدِك كَمَنْ يُقَدِّمُ رجْلاً ويؤخِّر أُخرى، ثم اخْتُصِرَ الكلامُ، وجُعِل كأنه يُقدِّم الرِّجْلَ ويُؤخِّرها على الحقيقة، كما كان الأصْلُ في قولك: "رأيتُ أَسَداً" رأَيتُ رجلاً كالأسد، ثم جُعِل كأنه الأَسَدُ على الحقيقة.

وكذلك تقولُ للرجل يَعْمَل في غيرَ مَعْمَل١: "أَراك تَنفُخُ في غير فحمٍ، وتَخُطُّ على الماء"، فَتجْعلُه في ظاهرِ الأمرِ كأنه ينفخ ويخط، والمعنى على ذلك أنك في فِعْلِك كمنْ يَفْعل ذلك، وتقولُ للرَّجلِ يُعمِلُ الحيلةَ حتى يُميلَ صاحبَه إلى الشَّيءِ قد كان يأباهُ ويَمْتنعُ منه: "ما زال يَفْتِل في الذِّروة والغارِب حتى بَلغَ منهُ ما أَراد"، فتَجْعلُه بظاهرِ اللّفظِ كأنه كان منهُ فَتْلٌ في ذِرْوَةٍ وغاربٍ، والمعنى على أنَّهُ لم يَزَلْ يَرْفِقُ بصاحبهِ رِفْقاً يُشبهُ حالُه فيه حالَ الرجل يَجيء إلى البعيرِ الصَّعْب فيَحكُّه ويفتلُ الشَّعرَ في ذروتِه وغاربِه، حتى يَسْكنَ ويَسْتأنسَ، وهو في المعنى نَظيرُ قولهم "فلان يقرد فلاناً" يعنى به أن يتطلف له فعلَ الرجلِ يَنْزَعُ القُرادَ منَ البعيرِ ليلذَّهُ ذلك، فيَسْكُن ويَثْبتُ في مكانه حتى يتمكَّن من أَخْذه، وهكذا كل كلامٍ رأيتَهم قد نحوا فيه نحو التّمثيلَ٢، ثم لم يُفْصحوا بذلك، وأَخرجوا اللَّفظَ مخرَجَه إذا لم يريدوا تمثيلًا.


١ في "ج" والمطبوعة، بإسقاط "في"، والمعنى: من غير فائدة ولا جدوى.
٢ في المطبوعة: "نحوا فيه التمثيل" وفي "س": "به نحو التمثيل".