للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتدبُّر في أَنفس الأَصباغِ وفي مواقِعها ومقاديرِها وكيفيّةِ مَزْجه لها وتَرتيبه إِياها، إِلى ما لم يتَهدَّ إِليه صاحبُه١، فجاء نَقشُه من أجْل ذلك أَعجَبَ، وصورتُه أغرَبَ، كذلك حالُ الشاعرِ والشاعرِ في توخِّيهما مَعاني النَّحو ووجوهِه التي علمت أنها محصول "النظم".

صفة "النظْم":

٨١ - واعلمْ أنَّ مِن الكلام ما أنتَ تَرى المزيَّةَ في نَظْمه والحُسْنَ، كالآجزاءِ من الصِّبْغ تَتلاَحقُ وينْضَمُّ بعضُها إِلى بعض حتى تَكْثُرَ في العين، فأنتَ لذلك لا تُكْبِرُ شأْنَ صاحبهِ، ولا تَقْضِي له بالحِذْق والاستاذيَّة وسَعَةِ الذَّرْع وشدَّةِ المُنَّة٢، حتى تَستوفي القطعةَ وتأتيَ على عدّةِ أبياتٍ. وذلك ما كانَ مِن الشعر في طبقةِ ما أنشدْتُكَ من أبياتِ البُحتريَّ٣ ومنْهُ ما أَنْتَ تَرى الحُسْنَ يَهجُمُ عليك منه دفعةً، ويأتيكَ منه ما يملأُ العينَ ضَرْبَةً٤ حتى تعرفَ منَ البيت الواحد مكانَ الرَّجُلِ منَ الفضْل، وموضعَه منَ الحذْق، وتشْهَدَ له بفضلِ المُنَّة وطولِ الباع، وحتى تَعْلَم، إنْ لم تَعْلَم القائلَ، أنَّه مِنْ قِبَل شاعرٍ فحلٍ٥، وأنه خرجَ من تحتِ يَدٍ صَنَاعٍ، وذلك ما إذا أنْشَدْتَهُ وضعتَ فيه اليدَ على شيءٍ فقلتَ: هذا، هذا! وما كان كذلك فهو الشعر


١ في "س"، وفي نسخة عند رشيد رضا: "إلى ما لم يكن يهتدي إليه".
٢ "المنة"، القوة والضبط.
٣ انظر رقم: ٧٨.
٤ في المطبوعة: "غرابة"، وفي المخطوطتين، ونسخة أخرى عند رشيد رضا، كما أثبت و "ضربة"، دفعة واحدة.
٥ في المطبوعة: "من قبل".