للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان معنى السُنَّّة موجوداً في الأوساط العربية قديماً، ويراد به الطريق الصحيح في الحياة للفرد والجماعة، ولم يخترع المسلمون هذا المعنى، بل كان معروفاً في الجاهلية، وكان يُسَمَّى عندهم سُنَّة هذه التقاليد العربية، وما وافق عادة الأسلاف، وقد بقي هذا المعنى في الإسلام في المدارس القديمة في الحجاز، وفي العراق أيضاً، بهذا المعنى العام، يعني العمل القائم، والأمر المجتمع عليه في الأوساط الإسلامية، والمثل الأعلى للسلوك الصحيح، مِنْ غير أنْ يَخْتَصَّ ذلك بسُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأخيراً حُدَّدَ هذا المعنى، وجُعِلَتْ السُنَّة مقصورة على سُنَّة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويرجع هذا التحديد إلى أواخر القرن الثاني الهجري، بسبب طريقة الإمام الشافعي التي خالف بها الاصطلاح القديم.

وغني عن البيان أنَّ قول الدكتور تِرْدَادٌ لما ذكره جُولْدْتسِيهِرْ وشاخت!

[مصطلح وثني:]

قال الدكتور الأعظمي: «ولقد وضَّحَ جُولْدْتسِيهِرْ أنها مصطلح وثني في أصله، وإنما تبنَّاهُ واقتبسه الإسلام» (١) ..

وهو افتراء لا يقوم على دليل، وزعْمٌ متهافت، ومعارض للأدلَّة، ثم إنَّ استعمال الجَاهِلِيِّينَ أو الوَثَنِيِّينَ من العرب لكلمة ما في مفهومها اللغوي لا يلبسها ثوباً مُعَيَّناً، ولا يُحيلُها إلى مصطلح وثنيٍّ، وخصوصاً إذا ما لاحظنا استعمالاتهم المختلفة لهذه الكلمة، وإلاَّ أصبحت اللغة العربية بكاملها مصطلحاً وثنياً، وهذا ما لا يقول به عاقل!.

وقد أورد مرغليوث بعض النصوص لكلمة السُنَّة، وعلَّقَ عليها قائلاً:

نرى كلمة «سُنَّة النبي» - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر وُرُوداً في النصوص السابقة من أيِّ تعبير آخر، وقد استعمل هذا التعبير في النصوص التي تَتَّصِلُ بالخليفة الثالث عثمان، وربَّما كان لسلوكه الخطير الذي يختلف فيه عن أسلافه أثر في ذلك، ولو أنَّ الاتِّهامات المُوَجَّهَةِ إليه دوماً مُبْهمة، ويبدو واضحاً أنَّ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي إلى ذلك الوقت لم يكن شيئاً مُحَدَّداً، بل هو ما كان عُرْفاً مألوفاً، وقد


(١) " دراسات في الحديث النبوي": ص ٥ وما بعدها بتصرف.

<<  <   >  >>