للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعواهم، لِيِحْتَجُّوا بصِحَّة ما لديهم من أحاديث في خلافاتهم الفقهية، أراد جُولْدْتسِيهِرْ أنْ يُصَوِّرَ علماءَ الأمَّة ومُفَكِّريها حزبين مُتَعَصِّبين لآرائهم، يستجيزون الكذب في سبيل ذلك! فساء ما تصوَّره! وبِئْسَ ما انتهى إليه!

وقد قيَّضَ اللهُ لكتاب " تقييد العلم " أنْ ينشر في دمشق، ويُحَقَّقَ تحقيقاً علمياً دقيقاً، على يد الدكتور يوسف العش، الذي درس أخباره دراسة عميقة، ثم قَدَّمَ الكتاب المذكور بتصدير عِلْمِيٍّ قيِّم، كشف فيه عن أخطاء جُولْدْتسِيهِرْ في رأيه - حين قال: إنَّ من ادَّعَى عدم جواز الكتابة هُمْ أهل الرأي، وأنَّ مخالفيهم هُمْ من أهل الحديث - قال الدكتور العش: «فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين، لأَنَّ من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة وبينهم من أقرَّها، ومن المُحَدِّثِينَ من كره الكتابة ومنهم من أجازها» (١).

وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب: «بهذه البراهين القوية نقض الدكتور العش رأي جُولْدْتسِيهِرْ، وقوَّض كل ما بناهُ على رأيه من صور وهمية، وبَيَّنَ بعد البحث والتأمل (أنْ ليس من أوصاف مشتركة تُوَحِّدُ بين أصحاب إحدى الطائفتين، فليس الفريقان حزبين اتفق أفرادهما في الرأي، واستعدُّوا لخوض المعركة متضامنين، يناصر بعضهم بعضاً، وإنما تمسَّكُوا برأيهم عن عقيدة نفسية، أو عن ميول شخصية، أو عن ذوق خاص، أو عن عادة مُسْتَحْكمة، وعندنا أنَّ الطائفتين المُتخاصمتين مُتَّفقتان بالغاية، ولو أنهما تشاحنتا في القول، فكلتاهما تبغي الدفاع عن العلم والتقدُّم)» (٢).

بعد تلك الأخبار عن التدوين، وحرص الأمَّة على سلامة الحديث النبوي، لا يمكننا أنْ نُسَلِّمَ بما ذهب إليه المُسْتَشْرِقُونَ، وخاصة بعد أنْ ظهر أمرهم على ضوء ما بَيَنّاهُ، فالسُنَّة حفظت منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصدور، وقيَّدَهَا بعضُهُم في الصُحٌف، وكانت محلَّ اعتناء المسلمين في مختلف عصورهم، فتناقلوها جيلاً عن جيل حفظاً ودراسة بالمشافهة والكتابة، واجتهدوا وسعهم لحفظ الحديث بأسانيده


(١) انظر: " تقييد العلم ": ص ٢١، ٢٢. و " مقالة " الدكتور العش في " مجلة الثقافة المصرية " العدد ٣٥٣، السَنَة السابعة، الصفحة ٩، ١٠.
(٢) " مجلة الثقافة المصرية " العدد ٣٥٣، السَنَة السابعة، الصفحة ١٠.

<<  <   >  >>