للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين» كما ذكر هو في آخر كتابه " بحوث في تاريخ السُنَّة المشرَّفة " غير أني لم أطَّلع عليه.

ويقول الدكتور سزكين (١): وشُهرة البخاري تقوم على كتابه " الجامع الصحيح " وهو ما يمْكِنُ أنْ نصفه - بعد دراسة عميقة ناقدة - بأنه مصادفة حسنة، وهناك بَوْنٌ شاسع بين المكانة الرفيعة التي زادت وتدعَّمتْ مع القرون التالية، والنقد اللاذع الحاد من بعض الشُرَّاح المَوْضُوعِيِّينَ!، الذين وجب عليهم أنْ يفعلوا ذلك أثناء شرحهم له في مواضع عديدة من النص، ومِمَّا يدعو إلى العجب أنَّ الأبحاث العلميَّة الحديثة التي يبدو أنها لم تعرف هذا على الإطلاق قد أخذت - دون نقد أو تمحيص - الصفات المنسوبة إلى الكتاب، رغم أنها غير صحيحة! والخطأ الأكبر الذي جَرَّ إلى أخطاء هو اعتبار كتاب البخاري أول كتاب «مُصَنَّفٍ» أُلِّفَ بهدف أنْ يهتدي المرء بمعونته في كل باب من أبواب الفقه، وفي كل مسألة فقهية (٢). وقد أوضحت دراسة تطور علم الحديث أنَّ مجموعات البخاري ومعاصريه لا تمثِّلُ بأية حال من الأحوال بدايات كتب «المصنّف» وذلك لأنها ليست إلاَّ جمعاً مُلَخِّصًا للمؤلفات التي ظهرت ثماراً لتطوُّر استمرَّ قروناً من الزمن، ويبدو أنَّ البخاري قد استخدم كتب الحديث - وكثيراً من الكتب اللغوية والتاريخية والفقهية كذلك - دون انتقاء! ودون توفيق! الأمر الذي جعل الشُرَّاح المتأخِّرين يعجبون منه!، ويطلقون عليه «عاف من التقليد»! وبالنسبة للأسانيد فإنَّ مصنّف البخاري " الجامع " لا يرقى إلى الكمال! فالأسانيد ناقصة في حوالي ربع المادة، وقد أطلق على هذا الأمر ابتداءً من القرن الرابع اسم «التعليق» وبهذا يفقد كتاب البخاري كثيراً من سِمَتِهِ مُصنَّفاً جامعاً شاملاً!، أما البخاري نفسه فقد برهن على أنه ليس عالم الحديث الذي طوَّرَ الإسناد إلى الكمال، كما زعم «كَيْتَانِي»، بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد!

وهذا موقف عجيب، فهو - كما أسلفنا - قد دحض شُبَهَ المُسْتَشْرِقِينَ حول الإسناد (٣).


(١) المرجع السابق: ص ٣٠٧.
(٢) انظر المرجع السابق، ففيه إشارة إلى جُولْدْتسِيهِرْ.
(٣) وانظر " محاضرات في تاريخ العلوم المحاضرة الثالثة ": ص ٣٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>