للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على كل حال كون الدية مائة من الإبل هذا نص، وأما تقويمها وتقديرها بما تقابله وتساويه من العملات المختلفة في البلدان والأوقات والأزمان هذه مسائل اجتهادية.

قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع" يعني تنجم، كل سنة ثلث الدية، أو ربع الدية على السنين.

"قال مالك -رحمه الله-: والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك" الثلاث عند مالك أرجح من الأربع؛ لأن إلزام الجاني، أو عاقلة الجاني بدفعها في وقت واحد يشق عليه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(٧٨) سورة الحج] وهو لم يقصد القتل، ما قصد القتل، ولو كان في حق الله -جل وعلا- لكان إثمه مرفوعاً، ومع ذلك هو في حق آدمي الإثم مرفوع، لكن إلزامه بالدية والكفارة من باب ربط السبب بالمسبب، فهو حكم وضعي وإلا تكليفي؟ وضعي لا تكليفي، ولذا يقول أهل العلم: إن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ، حكمه حكم قتل الخطأ من البالغ، ولو كان متعمداً؛ لأن الإثم مرفوع عنه، فهو كالجاني الكبير إذا أخطأ فقتل.

"قال مالك: المجتمع عليه عندنا" يعني المتفق عليه عندهم في بلدهم "أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل" لأن عمر لما حددها بالدراهم والدنانير صار حكمه ملزماً، باعتبار أنه واحد من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم ((اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر)) ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) فكأنه يرى أن حكم عمر ملزم.

"أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل، ولا من أهل العمود" الذين هم أهل البادية، يعني العمود عمود البيت بيت الشعر أو الخيمة، وما أشبه ذلك لا يقبل منهم الذهب ولا الورق، وإنما يقبل منهم الإبل "ولا من أهل العمود الذهب والورق، ولا من أهل الذهب الورق" يعني ما يقبل من أهل مصر والشام الفضة، كما أنه لا يقبل من أهل الورق الذهب لا يقبل من أهل العراق الذهب باعتبار أن هذا نص ملزم توقيفي، أمرنا بالاقتداء به وإتباعه، أعني من قام بالمعادلة، وهو عمر -رضي الله تعالى عنه-، نعم.

أحسن الله إليك.

باب: ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون