للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بداية ظهور الكذب في الحديث]

عن طاوس بن كيسان، قال: " جاء هذا إلى ابن عباس (يعني بشير بن كعب) فجعل يحدثه، فقال له ابن عباس: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، ثم حدثه، فقال له: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له، فقال له: ما أدري، أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول، تركنا الحديث عنه " (١).

وعن محمود بن لبيد، قال أمرني يحيى بن الحكم على جرش، فقدمتها، فحدثوني أن عبد الله بن جعفر حدثهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا صاحب هذا الداء _ يعني الجذام _ كما يتقى السبع، إذا هبط وادياً فاهبطوا غيره "، فقلت: والله، لئن كان ابن جعفر حدثكم هذا ما كذبكم، قال: فلما عزلني عن جرش قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن جعفر فقلت له: يا أبا جعفر، ما حديث حدثه عنك أهل جرش؟ ثم حدثته الحديث فقال: كذبوا، والله ما حدثتهم (٢).

قلت: هذا يدل على أن الكذب بدأ ظهوره في عصر التابعين، ثم صار يزيد مع الإقبال على الحديث والإسناد والاشتغال بذلك.


(١) أثرٌ حسن. أخرجه الدارمي (رقم: ٤٣٢) ومُسلم في " مقدمته " (ص: ١٢ _ ١٣) وعبد الله بن أحمد في " العلل " (النص: ٤٠٦٩) وابن عدي (١/ ١٢٠) وابنُ حبان في " المجروحين " (١/ ٣٨) والحاكم في " المستدرك " (١/ ١١٢ _ ١١٣ رقم: ٣٨٤) و " المدخل إلى الإكليل " (ص: ٥٢) وأبو نعيم في " المستخرج على مسلم " (رقم: ٧٢) وابنُ عبد البر في " التمهيد " (١/ ٤٣) من طرق عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوُس، به.
قلت: إسناده حسنٌ، ابن جحير صدوق فيه ضعْفٌ، وقد خرَّج له الشيخان حديثاً اتفقا عليه هوَ مروي عندهما أيضاً من غير طريقه، وتفرَّد عنه مسلم بحديث أيضاً لم ينفرد به كذلك. ولخبره هذا عن طاوس أصْل من رواية ابن طاوُس عن أبيه، ومن رواية مُجاهد أيضاً عن ابن عباس، بمعناه.
(٢) أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " (١/ ٥٢ _ ٥٣) وإسناده حسنٌ، وبعد هذا ساق ابنُ جعفر قصة عن عمر .......

<<  <  ج: ص:  >  >>