للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشهد له ما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة " أو: " بئس رجل العشيرة "، فلما دخل عليه ألان له القول، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، قلت له الذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال: " يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة: من ودعه _ أو: تركه _ الناس اتقاء فحشه " (١).

قال الخطيب: " ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " بئس رجل العشيرة " دليل على أن إخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجب العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيية، إذا لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد عليه السلام بما ذكر فيه والله أعلم أن بئس للناس الحالة المذمومة منه، وهي الفحش فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له، وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة؛ إنما أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره، فيظنه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرناه لا يكون غيبة " (٢).

قال: " وأما الغيبة التي نهى الله تعالى عنها فهي ذكر الرجل عيوب أخيه يقصد بها الوضع منه والتنقيص له والإزراء به، فيما لا يعود إلى حكم النصيحة وإيجاب الديانة، من التحذير عن ائتمان الخائن، وقبول خبر الفاسق، واستماع شهادة الكاذب " (٣).

قال مسلم بن الحجاج يصف صنيع نقاد المحدثين: " وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (رقم: ٥٦٨٥، ٥٧٠٧، ٥٧٨٠) ومُسلم (رقم: ٢٥٩١) من طريق مُحمد بن المنكدر، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، به.
(٢) الكفاية (ص: ٨٣ _ ٨٤).
(٣) الكفاية (ص: ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>