للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عروة: فلما أخبرتها بذلك، قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص (١).

وفي هذه الآثار وما في معناها دليل على أن التيقظ والتثبت لقبول الحديث، والتحري لأحوال نقلته بدأ منذ بدأت الرواية في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا المنهج في المقابلة لحديث الراوي بحديث غيره، ليتبين منها قدر ما يشهد له وما لا يشهد له، أو ما يخالفه ويناقضه، هو القاعدة العظمى لتمييز الحفاظ الثقات من غيرهم، وازداد ظهور ذلك كلما تأخر الزمن بعد الصحابة، بسبب طول الإسناد وتشعبه المقتضى كثرة الناقلين، مما تزداد معه مظنة الخطأ والوهم، مع ضعف الوازع عند كثير من الناس، مما ظهر معه الكذابون الذين كانوا يتعمدون وضع الحديث: متناً أو إسناداً، أو جميعاً.

قال الذهبي: " اعلم أن أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم الأثبات " (٢).

وأقول: ولتفردهم عن المعروفين بما لا يعرف من رواية الثقات عنهم.

ومن مثاله الموضح له:

قوله يحيى بن معين: " قال لي إسماعيل بن علية يوماً: كيف حديثي؟


(١) حديث صحيح. مُتفق عليه، أخرجه البُخاري (رقم: ٦٨٧٧) ومسلم (٤/ ٢٠٥٩) والبيهقي في " المدخل " (رقم: ٨٥٢) والسياق للأخيرين، من طريق عبد الله بن وهب، حدثني أبو شريح، أن أبا الأسود حدثه، عن عروة، به. أبو شريح هو عبد الرحمن بن شريح، وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل. ووقع ذكر القصة كذلك باختصار في بعض طُرق الحديث من رواية هِشام بن عُروة عن أبيه. أخرجه كذلك مسلم (٤/ ٢٠٥٨) وفي " التمييز " له (رقم: ١٢)، والحديث مرويٌّ دون هذه القصة في أكثر الأصول.
(٢) الموقظة (ص: ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>