للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن قد تشتبه بعض النصوص على قوم، يحسبونها تخالف الواقع المشاهد، وإنما ذلك أنهم أتوا من قبل أفهامهم أو أهوائهم، والدليل على خطئهم وجود المخالف لهم فيما يدعونه، وما يخالف المحسوس على سبيل اليقين لا يماري فيه أحد.

وذلك مثل تعليل من ليس من أهل الصنعة لحديث أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لن يفلح قوم ولًّوا أمرهم امرأة " (١). فقال: الواقع شاهد بأن المرأة حكمت في بعض البلدان في الغابر والحاضر، وأفلح قومها بعقلها ورشدها، كبلقيس التي قصًّ الله تعالى نبأها مع نبيه سليمان، عليه السلام، وكيف صارت بقومها إلى الإسلام.

وأقول: إذا كان هذا هو معنى الحديث، فله نصيب من هذا التعليل، ولكن الحديث ورد على سبب، فقد قال أبو بكرة في صدره: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال (فذكر الحديث).

نعم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن مراعاة السبب أصل لفهم مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، خصوصاً عند اشتباه المعنى، والعموم باق في مثل صورة السبب، وقوم كسرى بعد هلاكه ما رفع الله لهم ذكراً، ما أفلحوا حين ولوا ابنته، لما دعا عليهم به النبي صلى الله عليه وسلم (٢)، ولقوله: " هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده " (٣).


(١) أخرجه البخاري (رقم: ٤١٦٣، ٦٦٨٦).
(٢) فيما قاله الزهري: حسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمزقوا كل مُمزق. أخرجه البخاري (رقم: ٦٤ ومواضع أخرى) في آخر حديث ابن عباس في قصة بَعث النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى كسرى يَدعوه إلى الإسلام، فمزّق كِسرى الكتاب. وهذا المرسل مُعتَضِدٌ ببعض الطرق.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٢٨٦٤ ومواضع أخرى) ومسلم (رقم: ٢٩١٨) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>