للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله فيما عرفنا فيه الانقطاع بعدم الإدراك بالقرينة، رواية عبدة بن أبي لبابة عن عمر بن الخطاب، فإن أكثر روايته عن التابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود، كأبي وائل شقيق بن سلمة، وزر بن حبيش، ومن دونهم كمجاهد بن جبر، والقاسم بن مخيمرة، ورأى عبد الله بن عمر بالشام (١)، وهل يصح سماعه منه؟ أثبته بعض الأئمة كالبخاري (٢)، وظاهر عبارة أبي حاتم الرازي أنه لم يكن له نصيب من ابن عمر غير الرؤية، فإنه قال: " رأى ابن عمر رؤية " (٣)، فإذا كان هذا شأنه، فأنى له أن يدرك عمر؟


(١) نص على ذلك أحمد بن حنبل في رواية الميموني عنه، نقله ابن عساكر في " تاريخه " (٣٧/ ٣٨٤) والمزي في " التهذيب " (١٨/ ٥٤٣).
(٢) التاريخ الكبير (٣/ ٢ / ١١٤)، ويبدو أنُّ مستند إثبات السماع ما أخرجه الفاكهي في " أخبار مكة " (رقم: ٨٧٠) من طريق عثمان بن ساج. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (١/ ٣٧١) وابن الأعرابي في " معجمه " (رقم: ١٤٩٨) وابن عساكر في " تاريخه " (٧/ ٢٧٦ و (٣٧/ ٣٨١) من طريق سلمة بن عبد الملك العوصي. كلاهما عن إبراهيم بن يزيد، عن عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة، والذي نفسي بيده إنَّ متابعتهما لتنفي الفقر والذنوب عن العبد كما ينفي الكير خبث الحديد ".

قلت: وإسناده ضعيف جداً، إبراهيم هو ابن يزيد الخوزي، واه متروك الحديث، وليس هو ابن يزيد النصري الشامي، خلافاً لما حسبه ابن عساكر من أجل رواية العوصي عنه وهو شامي، فإنه روى عن العراقيين، وحديث الخوزي أيضا وقع للعراقين، وأما النصري فلا يوجد فيما جاءنا من ترجمته ما يساعد على اعتباره المقصود هنا، بل هو لعدم شهرته كان يحتاج إلى تمييزه بالنسبة، فحيث أُهمل ولم تقو القرائن في ترجيحه فلم يصح أن يحمل الحديث على أنه له، بل قويت وترجحت القرائن في كون المقصود هو الخوزي، فابن ساج هو عثمان بن عمرو بن ساج جزري حديثه عن الحجازيين وأهل بلده، والخوزي مكي، وزاد تأكيداً أنّ للحديث أصلاً من حديث الخوزي، كما أخرجه من طريقه الفاكهي (رقم: ٨٦٩) وابن عدي، يرويه بإسنادٍ آخر عن ابن عمر.
نعم، له أصل من رواية عبدة بن أبي لبابة، لكن من غير حديث ابن عمر، كما بين قصته الدارقطني في " العلل " (٢/ ١٣٠ ـ ١٣١).
(٣) جامع التحصيل، للعلائي (ص: ٢٨٢)، والعبارة في " المراسيل " لابن أبي حاتم (ص: ١٣٦) لكن سقطت منها كلمة (ابن)، وهو خطأ جزماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>