للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا شَذَّ مَنْ شَذَّ بِخُصُوصِ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَلَيْسَ بِهِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ الزَّحْفِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَذَهَابِ الْيَوْمِ بِمَا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْكَبَائِرَ كَذَا. وَعِنْدَ الْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ. وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَيُبَيِّنُ الْحُكْمَ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى النُّكْتَةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِيهَا لِمَنْ وَقَعَ بِاخْتِصَاصِهِ بِيَوْمِ بَدْرٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمَّا يَوْمُ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُسْلِمُوهُ لِأَعْدَائِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تُطْرَفُ. وَأَمَّا سَائِرُ الْجُيُوشِ وَأَيَّامُ الْقِتَالِ فَلَهَا أَحْكَامٌ تُسْتَقْصَى فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْآيَة الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ]

الْآيَةُ الرَّابِعَةُ:

قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: ١٧].

هِيَ مِنْ تَوَابِعِ مَا تَقَدَّمَ وَرَوَابِطِهِ؛ فَإِنَّ السُّورَةَ هِيَ سُورَةُ بَدْرٍ كُلِّهَا، وَكُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ إلَّا سَبْعَ آيَاتٍ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٣٠] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ السَّبْعِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧]، هَذَا فِي حَصْبِ رَسُولِ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ. قَالَ مَالِكٌ، وَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ أَصَابَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ مَا قَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ.

وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَقَدْ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>