للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ قَبُولُهُ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّنْزِيهِ مِنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْدُمُ وَيُطْعِمُ، فَكَرِهَ لَهُ تَرْكَ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يُذَمَّ، وَأَخْذَهُ لِمَالٍ هُوَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، فَكَسْبُ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إبِلٍ أَعْطَاهَا إيَّاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ.

قُلْنَا: لَمْ يَصِحَّ.

وَجَوَابُهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ، فَرَدَّ إلَيْهِ مَا اسْتَسْلَفَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَأَكَلَهَا بِالْعِوَضِ.

وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ مُفَسَّرًا مُسْتَوْفًى فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ بَنِي هَاشِمٍ إلَى فُقَرَائِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَيَأْكُلُونَ مِنْ أَوْسَاخِهِمْ؟ هَذَا جَهْلٌ بِحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَجِهَةِ الْكَرَامَةِ.

[مَسْأَلَة إذَا اُخْتُصَّ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ بِزَكَاةِ بَلَدِهِ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠]: مُقَابَلَةُ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ، وَهِيَ جُمْلَةُ الصَّدَقَةِ بِجُمْلَةِ الْمَصْرِفِ لَهَا، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ حِينَ أَرْسَلَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ: «قُلْ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَاخْتُصَّ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ بِزَكَاةِ بَلَدِهِ؛ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهَا أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: لَا تُنْقَلُ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، إلَّا أَنَّهُ زَادَ إنْ نَقَلَ بَعْضَهَا لِضَرُورَةٍ رَأَيْتُهُ صَوَابًا.

الثَّانِي: يَجُوزُ نَقْلُهَا، وَقَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا.

الثَّالِثُ: يُقَسَّمُ فِي الْمَوْضِعِ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ، وَيُنْقَلُ سَائِرُ السِّهَامِ، بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>