للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ أَحْسَنَ بَيَانٍ، فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى هَذَا الْغَرَضِ قَبْلَ هَذَا بِمِرْمَاةٍ مِنْ النَّظَرِ تُصِيبُهُ، وَهَذَا يُعَضِّدُهُ وَيُقَوِّيهِ.

[مَسْأَلَة الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ نَذْرًا فَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ.

وَإِنْ كَانَتْ يَمِينًا فَلَيْسَ الْوَفَاءُ بِالْيَمِينِ بِاتِّفَاقٍ، بَيْدِ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ [إنْ كَانَ نَذَرَ الرَّجُلُ أَوْ] إنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الزَّكَاةِ، فَسَأَلَ اللَّهَ مَالًا يَلْتَزِمُ فِيهِ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَيُؤَدِّي مَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ تَرَكَ مَا الْتَزَمَ مِمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي أَصْلِ الدِّينِ لَوْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، لَكِنَّ التَّعَاطِيَ بِطَلَبِ الْمَالِ لِأَدَاءِ الْحُقُوقِ هُوَ الَّذِي أَوْرَطَهُ، إذْ كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ، أَوْ كَانَ بِنِيَّةٍ لَكِنْ سَبَقَتْ فِيهِ الْبِدَايَةُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ فِيهَا الشَّقَاوَةُ.

[مَسْأَلَة عَاهَدَ اللَّهَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إنْ كَانَ هَذَا الْمُعَاهِدُ عَارِفًا بِاَللَّهِ فَيَفْهَمُ وَجْهَ الْمُعَاهَدَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِاَللَّهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ مُعَاهَدَةُ اللَّهِ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ.

قُلْنَا: إنْ كَانَ وَقْتَ الْمُعَاهَدَةِ عَارِفًا بِاَللَّهِ، ثُمَّ أَذْهَبَ الْمَعْرِفَةَ سُوءُ الْخَاتِمَةِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ الْمُعَاهَدَةِ مُنَافِقًا يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّ الْكُفْرَ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْكُفَّارَ يَعْرِفُونَ اللَّهَ فَالْمُعَاهَدَةُ مَفْهُومَةٌ، وَإِنَّ قُلْنَا: لَا يَعْرِفُونَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْمُعَاهَدَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا مُعَاقَدَةٌ بِعَزِيمَةٍ مُحَقَّقَةٍ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنْ عَاهَدَ اللَّهَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُعَاقَدَةِ فَخَاصٌّ مِنْ خَوَاصِّ أَوْصَافِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ رَبُّهُ فَيَنْعَقِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ، وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ عِقَابُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الذِّكْرِ اللَّازِمِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى بَخِلُوا بِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {بَخِلُوا بِهِ} [التوبة: ٧٦]: اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقِيلَ: الْبُخْلُ مَنْعُ الْوَاجِبِ، وَالشُّحُّ مَنْعُ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ١٨٠] إلَى: الْقِيَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ} [الحشر: ٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>