للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة هَلْ لِلْأَعْرَابِ حَقّ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: لَمَّا ذَمَّ اللَّهُ الْأَعْرَابَ بِنَقْصِهِمْ وَحَطَّهُمْ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الْكَامِلَةِ لِسِوَاهُمْ تَرَتَّبَتْ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، حَسْبَمَا يَأْتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثَانِيهَا: أَنَّ إمَامَتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَضَرِ مَمْنُوعَةٌ لِجَهْلِهِمْ بِالسُّنَّةِ وَتَرْكِهِمْ لِلْجُمُعَةِ.

ثَالِثُهَا: إسْقَاطُ شَهَادَةِ الْبَادِيَةِ عَنْ الْحَضَارَةِ.

وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ؛ فَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ، وَمَنْزِلَةٌ شَرِيفَةٌ، وَوِلَايَةٌ كَرِيمَةٌ، فَإِنَّهَا قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ، وَتَنْفِيذُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الصِّفَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا نُقْصَانَ صِفَتِهِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ.

وَقِيلَ: إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيقِ التُّهْمَةِ إذَا شَهِدَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ بِحُقُوقِ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَتِلْكَ رِيبَةٌ؛ إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ الْحَضَرِيُّونَ، فَعَدَمُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمْ وَوُجُودُهَا عِنْدَ الْبَدْوِيِّينَ رِيبَةٌ تَقْتَضِي التُّهْمَةَ، وَتُوجِبُ الرَّدَّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ كَالْجِرَاحِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكُونُ فِي الْحَضَرِ مَاضِيَةٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْحَضَرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعِي كُلَّ تُهْمَةٍ؛ أَلَا تَرَاهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، فَلْيَنْظُرْهُ هُنَالِكَ مَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَهُ.

[الْآيَة السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا]

وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: ١٠٣].

فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى {خُذْ} [التوبة: ١٠٣]: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ اقْتِصَارَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ سِوَاهُ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا سُقُوطُهَا بِسُقُوطِهِ، وَزَوَالُ تَكْلِيفِهَا بِمَوْتِهِ، وَبِهَذَا تَعَلَّقَ مَانِعُو الزَّكَاةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>