للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ قَوْمٌ إنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالْمَسْكَنَةِ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي الْبَحْرِ وَضَعْفِ الْحِيلَةِ فِيهِ أَيْضًا؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ لِلَّهِ عِيَانًا فَلْيَرْكَبْ الْبَحْرَ.

وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَسْكَنَتَهُمْ كَانَتْ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِدُخُولِهِمْ الْبَحْرَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ وَلَا مِلْكٌ إلَّا السَّفِينَةُ، وَهُمْ لَا يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ بِالْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالْعَزْمِ وَالشِّدَّةِ، يَقْصِدُونَ الْغَلَبَةَ، وَهَذِهِ حَالَةٌ لِلْمُلْكِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْمُسْلِمِينَ، لِمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، إذْ لَمْ يَرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا رَكِبَهُ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الْحَبَشَةِ لِلضَّرُورَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي الْفِرَارِ مِنْ نِكَايَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْآخِرُ فَلِنَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَوْنِ مَعَهُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

إذَا حَصَلَ الْمَرْءُ فِي ارْتِجَاجِ الْبَحْرِ وَغَلَبَتِهِ وَعَصْفِهِ وَتَعَابُسِ أَمْوَاجِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.

[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ]

قَوْله تَعَالَى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠].

فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَفْسِيرُ التَّحِيَّةِ: وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الْمُلْكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>