للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة تَفْسِيرَ الرُّؤْيَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

هَاهُنَا نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ: وَهِيَ أَنَّ يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُمَا {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: ٤١] فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] فَكَيْفَ يَقُولُ قُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ يَجْعَلُ نَجَاتَهُ ظَنًّا؟ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّاسُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَالُوا: إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الرُّؤْيَا لَيْسَ بِقَطْعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي حَقِّ النَّاسِ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا؛ فَإِنَّ حُكْمَهُمْ حَقٌّ كَيْفَمَا وَقَعَ.

الثَّانِي: إنَّ ظَنَّ هَاهُنَا بِمَعْنَى أَيْقَنَ وَعَلِمَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ لُغَةً.

[الْآيَة الْحَادِيَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ]

الْحَادِيَةَ عَشْرَة:

قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: ٤٢].

فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَأَنْسَاهُ} [يوسف: ٤٢] هَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى يُوسُفَ أَمْ عَلَى الْفَتَى؟ فَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى يُوسُفَ، أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ، وَذَكَرَ الْمَلِكَ؛ فَعُوقِبَ بِطُولِ اللُّبْثِ فِي السِّجْنِ، وَكَانَتْ كَلِمَتُهُ كَقَوْلِ لُوطٍ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود: ٨٠].

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ».

<<  <  ج: ص:  >  >>