للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْكَلَامِ بِالتَّفْسِيرِ: وَذَلِكَ أَنَّ دِينَ الْمَلِكِ كَانَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ السَّارِقِ مِثْلَيْ السَّرِقَةِ، وَكَانَ دِينُ يَعْقُوبَ أَنْ يُسْتَرَقَّ السَّارِقُ، فَأَخَذَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ بِمَا فِي دِينِ يَعْقُوبَ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ وَتَسْلِيمِهِمْ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَمَّةَ يُوسُفَ بِنْتَ إِسْحَاقَ، وَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَعْقُوبَ، صَارَتْ إلَيْهَا مِنْطَقَةُ إِسْحَاقَ لِسِنِّهَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَهَا بِالسِّنِّ، وَكَانَ مَنْ سَرَقَهَا اسْتُمْلِكَ، وَكَانَتْ عَمَّةُ يُوسُفَ قَدْ حَضَنَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَ لَهَا يَعْقُوبُ: سَلِّمِي يُوسُفَ إلَيَّ؛ فَلَسْت أَقْدِرُ أَنْ يَغِيبَ عَنْ عَيْنِي سَاعَةً. قَالَتْ لَهُ: دَعْهُ عِنْدِي أَيَّامًا أَنْظُرُ إلَيْهِ فَلَعَلِّي أَتَسَلَّى عَنْهُ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا يَعْقُوبُ عَمَدَتْ إلَى مِنْطَقَةِ إِسْحَاقَ فَحَزَّمَتْهَا عَلَى يُوسُفَ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: لَقَدْ فَقَدْت مِنْطَقَةَ إِسْحَاقَ، فَانْظُرُوا مَنْ أَخَذَهَا، وَمَنْ أَصَابَهَا. فَالْتُمِسَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: اكْشِفُوا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَكَشَفُوا فَوُجِدَتْ مَعَ يُوسُفَ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ إنَّهُ لِي سَلَمٌ أَصْنَعُ فِيهِ مَا شِئْت. ثُمَّ أَتَاهَا يَعْقُوبُ، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ وَذَاكَ، إنْ كَانَ فَعَلَ فَهُوَ سَلَمٌ لَك، فَأَمْسَكَتْهُ حَتَّى مَاتَتْ، فَبِذَلِكَ عَيَّرَهُ إخْوَتُهُ فِي قَوْلِهِمْ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٧٧] مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَرَابَةَ شِجْنَةٌ وَالصَّحَابَةُ شِجْنَةٌ. وَمِنْ هَاهُنَا تَعَلَّمَ يُوسُفُ وَضْعَ السِّقَايَةِ فِي رَحْلِ أَخِيهِ كَمَا عَمِلَتْ عَمَّتُهُ بِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: ٧٦] إذْ كَانَ لَا يَرَى اسْتِرْقَاقَ السَّارِقِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَكَيْفَ الْتِزَامُ الْإِخْوَةِ لِدِينِ يَعْقُوبَ بِالِاسْتِرْقَاقِ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِهِ. وَالْكَيْدُ وَالْمَكْرُ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ الْبَاطِنُ الظَّاهِرَ، وَالْقَوْلُ الَّذِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ؛ فَيَتَأَوَّلُهُ أَحَدُ الْمُتَخَاطِبَيْنِ عَلَى وَجْهٍ وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ.

[مَسْأَلَة الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِعِ؛ إذْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>