للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ اجْتَزَأَ بِهِ أَبُو ذَرٍّ لَيَالِيَ أَقَامَ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ لِقَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ قَالَ: حَتَّى سَمِنْت وَتَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَكَانَ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى السُّؤَالِ وَلَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ وَلَا التَّكَشُّفُ، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ عَنْ الْغِذَاءِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِيهِ إلَى يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَسَلِمَتْ طَوِيَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مُكَذِّبًا وَلَا شَرِبَهُ مُجَرِّبًا؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَوَكِّلِينَ، وَهُوَ يَفْضَحُ الْمُجَرِّبِينَ. وَلَقَدْ كُنْت بِمَكَّةَ مُقِيمًا فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكُنْت أَشْرَبُ مَاءَ زَمْزَمَ كَثِيرًا، وَكُلَّمَا شَرِبْته نَوَيْت بِهِ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ لِي بَرَكَتَهُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَسَّرَهُ لِي مِنْ الْعِلْمِ، وَنَسِيت أَنْ أَشْرَبَهُ لِلْعَمَلِ؛ وَيَا لَيْتَنِي شَرِبْته لَهُمَا، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ فِيهِمَا، وَلَمْ يُقَدَّرْ؛ فَكَانَ صَغْوِي إلَى الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى الْعَمَلِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْحِفْظَ وَالتَّوْفِيقَ بِرَحْمَتِهِ.

[مَسْأَلَة لِمَاذَا خَصَّ إبْرَاهِيم الصَّلَاة وَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَة الدِّين]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: ٣٧]: خَصَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الدِّينِ لِفَضْلِهَا فِيهِ وَمَكَانِهَا مِنْهُ، وَهِيَ عَهْدُ اللَّهِ عِنْدَ الْعِبَادِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».

<<  <  ج: ص:  >  >>