للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ الزَّوَالِ وَنَزَلَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ دُونَ مَا يَلِي الْإِمَامَ فَقَدْ حَازَ فَضْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفَضْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفَاتَهُ مُجَاوَرَةُ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ. وَمُجَاوِرَةُ الْإِمَامِ لَا تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى». فَمَا يَلِي الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَإِنْ نَزَلَهَا غَيْرُهُ أُخِّرَ لَهُ وَتَقَدَّمَ هُوَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، كَالْمِحْرَابِ هُوَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.

[مَسْأَلَة فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْقِتَال]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَكَمَا تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الْقِتَالِ؛ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، وَبَيْعَ النَّفْسِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوَازِنُهُ عَمَلٌ فَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ أَفْضَلُ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا خَفَاءَ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَقَدَّمُ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ. قَالَ الْبَرَاءُ: «كُنَّا إذَا حَمِيَ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».

[الْآيَة الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى إلَّا آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا امْرَأَتَهُ]

الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٥٩] {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: ٦٠].

قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا فِيهِ بَلَاغٌ لِلطَّلَبَةِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيه، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْكَلَامِ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ، لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>