للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: ٦٧]: وَإِذَا قِيلَ: إنَّ ثَمَرَاتِ الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا تُتَّخَذُ مِنْهُ رِزْقٌ حَسَنٌ وَسَكَرٌ. قُلْنَا: هَذِهِ الْحُبُوبُ وَسَائِرُ الثَّمَرَاتِ وَإِنْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِهَا، وَكَانَتْ لَهَا وُجُوهٌ يُنْتَفَعُ مِنْهَا، فَلَا يَقُومُ مَقَامَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْخَلَّ، وَهُوَ أَجَلُّ مَنْفَعَةٍ فِي الْعَالَمِ، فَإِنَّهُ دَوَاءٌ وَغِذَاءٌ، فَلَمَّا لَمْ يَحِلَّ مَحَلَّ هَاتَيْنِ الثَّمَرَتَيْنِ شَيْءٌ خُصَّا بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِمَا.

[الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا]

وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ - ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٦٨ - ٦٩].

فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا الْإِلْهَامُ، وَهُوَ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨]. وَمِنْ ذَلِكَ الْبَهَائِمُ وَمَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهَا مِنْ دَرْكِ مَنَافِعِهَا، وَاجْتِنَابِ مَضَارِّهَا، وَتَدْبِيرِ مَعَاشِهَا.

وَمِنْ عَجِيبِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي النَّحْلِ أَنْ أَلْهَمَهَا لِاِتِّخَاذِ بُيُوتِهَا مُسَدَّسَةً؛ فَبِذَلِكَ اتَّصَلَتْ حَتَّى صَارَتْ كَالْقِطْعَةِ الْوَاحِدَةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْكَالَ مِنْ الْمُثَلَّثِ إلَى الْمُعَشَّرِ إذَا جُمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى أَمْثَالِهِ لَمْ يَتَّصِلْ، وَجَاءَتْ بَيْنَهُمَا فُرَجٌ إلَّا الشَّكْلَ الْمُسَدَّسَ فَإِنَّهُ إذَا جُمِعَ إلَى أَمْثَالِهِ التَّسْدِيسُ، يَحْمِي بَعْضُهَا بَعْضًا عِنْدَ الِاتِّصَالِ. وَجُعِلَتْ كُلُّ بَيْتٍ عَلَى قَدْرِهَا، فَإِذَا تَشَكَّلَ عِنْدَ حَرَكَةِ النَّحْلَةِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ، وَمَلَأَتْهُ عَسَلًا انْتَقَلَتْ إلَى غَيْرِهِ بِتَسْخِيرِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ وَتَذْلِيلِهِ، إنْ تُرِكَتْ عَسَّلَتْ، وَإِنْ حُمِلَتْ اتَّبَعَتْ، وَهِيَ ذَاتُ جَنَاحٍ، وَلَكِنَّ الْقَابِضَ الْبَاسِطَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَهَا وَدَبَّرَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>