للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْآيَة الثَّامِنَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ]

ٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قِرَاءَتِهَا: قَرَأَهَا الْجَمَاعَةُ الْكَذِبَ بِنَصْبِ الْكَافِ؛ وَخَفْضِ الذَّالِ، وَنَصْبِ الْبَاءِ. وَقَرَأَهَا الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّ الْبَاءَ مَخْفُوضَةٌ، وَقَرَأَهَا قَوْمٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَالذَّالِ.

فَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى يَكُونُ فِيهَا الْكَذِبُ عَلَى الْإِتْبَاعِ لِمَوْضِعِ مَا يَقُولُونَ. وَمَنْ رَفَعَ الْكَافَ وَالذَّالَ جَعَلَهُ نَعَتَا لِلْأَلْسِنَةِ. وَمَنْ نَصَبَ الْكَافَ وَالْبَاءَ جَعَلَهُ مَفْعُولَ قَوْلِهِ: تَقُولُوا، وَهُوَ بَيِّنٌ كُلُّهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ: لَا تَصِفُوا الْأَعْيَانَ بِأَنَّهَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِكُمْ؛ إنَّمَا الْمُحَرِّمُ الْمُحَلِّلُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَنَّ الْمَيْتَةَ حَلَالٌ، وَعَلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا، وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا؛ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ بِضَلَالِهِمْ، وَاعْتِدَاءً، وَإِنْ أَمْهَلَهُمْ الْبَارِي فِي الدُّنْيَا فَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى.

[مَسْأَلَة التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَرَامٌ وَهَذَا حَلَالٌ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: إنَّا نَكْرَهُ هَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لِأَصْنَعَ هَذَا، فَكَانَ النَّاسُ يُطِيعُونَ ذَلِكَ، وَيَرْضَوْنَ بِهِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>