للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إنَّمَا أَمَرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ عِنْدَ خَوْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، فَيَنْتَظِرُ رَحْمَةَ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي «خَبَّابٍ، وَبِلَالٍ، وَعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ، مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟ كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَسْأَلُونَهُ، فَيُعْرِضُ عَنْهُمْ؛ إذْ لَا يَجِدُ مَا يُعْطِيهِمْ، فَأُمِرَ أَنْ يُحْسِنَ لَهُمْ الْقَوْلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ مَا يُعْطِيهِمْ»، وَهُوَ قَوْلُهُ: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} [الإسراء: ٢٨].

[الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى وَلَا تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِك وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ]

ِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩] هَذَا مَجَازٌ، عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْبَخِيلِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا الْغُلَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِ الْيَدَيْنِ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلًا آخَرَ، فَقَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهِمَا إلَى تَرَاقِيِهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إلَّا سَبَغَتْ وَوَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى يَخْفَى بَنَانُهُ، وَيَعْفُوَ أَثَرُهُ. وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إلَّا لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا. فَهُوَ يُوَسِّعُ وَلَا يَتَّسِعُ».

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] ضَرَبَ بَسْطَ الْيَدِ مَثَلًا لِذَهَابِ الْمَالِ، فَإِنَّ قَبْضَ الْكَفِّ يَحْبِسُ مَا فِيهَا، وَبَسْطَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>