للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا» هَلْ هُوَ بِكَلَامٍ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِ: امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي وَالْكُلُّ جَاءَ مِنْ عِنْدِنَا، وَرَبُّنَا عَلَيْهِ قَادِرٌ.

وَأَكْمَلُ التَّسْبِيحِ تَسْبِيحُ الْمَلَائِكَةِ وَالْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ فَإِنَّهُ تَسْبِيحٌ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْقُولٌ، مَفْهُومٌ لِلْجَمِيعِ بِعِبَارَةٍ مُخْلَصَةٍ، وَطَاعَةٍ مُسَلَّمَةٍ، وَأَجَلُّهَا مَا اقْتَرَنَ بِالْقَوْلِ فِيهَا فِعْلٌ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، وَهِيَ صَلَاةُ الْآدَمِيِّينَ؛ وَذَلِكَ غَايَةُ التَّسْبِيحِ وَبِهِ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ سُبْحَةً.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤]: قُلْنَا: أَمَّا الْكُفَّارُ الْمُنْكِرُونَ لِلصَّانِعِ فَلَا يَفْقَهُونَ مِنْ وُجُوهِ التَّسْبِيحِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ شَيْئًا كَالْفَلَاسِفَةِ، فَإِنَّهُمْ جَهِلُوا دَلَالَتَهَا عَلَى الصَّانِعِ، فَهُمْ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ أَجْهَلُ. وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الدَّلَالَةَ وَفَاتَهُ مَا وَرَاءَهَا فَهُوَ يَفْقَهُ وَجْهًا وَيَخْفَى عَلَيْهِ آخَرُ، فَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْفَلَاسِفَةِ، وَتَكُونُ عَلَى الْخُصُوصِ فِيمَا وَرَاءَهُمْ، مِمَّنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ تَسْبِيحِهِمْ؛ لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: ١٥] فَجَعَلَ تَصْرِيفَ الظِّلِّ ذُلًّا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالسُّجُودِ، وَهِيَ غَايَةُ الْمَذَلَّةِ لِمَنْ لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَحْدَهُ الْعِزَّةُ، وَهَذَا تَوْقِيفٌ نَفِيسٌ لِلْمَعْرِفَةِ؛ فَإِذَا انْتَهَيْتُمْ إلَيْهِ عَارِفِينَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِنَا فَقِفُوا عِنْدَهُ، فَلَيْسَ وَرَاءَهُ مَزِيدٌ، إلَّا فِي تَفْصِيلِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ؛ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ]

َ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} [الإسراء: ٦٤] فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: ٦٤]: فِيهِ قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>