للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْآيَة الْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا]

الْآيَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا} [الكهف: ١٠٣] {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤]. فِيهَا مَسْأَلَةٌ: أَجَابَ اللَّهُ عَمَّا وَقَعَ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥]. لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ، وَأَلْحَقُوا بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمْ، وَيَرْجِعُونَ فِي الْجُمْلَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ:

الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: الْكُفَّارُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالتَّكْلِيفِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ زَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ، إنْفَاذًا لِمَشِيئَتِهِ، وَحُكْمًا بِقَضَائِهِ، وَتَصْدِيقًا لِكَلَامِهِ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: أَهْلُ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الدَّلِيلِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧] كَأَهْلِ حَرُورَاءَ وَالنَّهْرَوَانِ، وَمَنْ عَمَل بِعَمَلِهِمْ الْيَوْمَ، وَشَغَبَ الْآنَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَشْغِيبَ أُولَئِكَ حِينَئِذٍ، فَهُمْ مِثْلُهُمْ وَشَرٌّ مِنْهُمْ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمًا، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إلَّا أَخْبَرْته، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ صُبَيْغُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: مَا الذَّارِيَاتُ ذَرْوًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: الرِّيَاحُ. قَالَ: مَا الْحَامِلَاتُ وِقْرًا؟ قَالَ: السَّحَابُ. قَالَ: فَمَا الْجَارِيَاتُ يُسْرًا؟ قَالَ: السُّفُنُ. قَالَ: فَمَا الْمُقَسِّمَاتُ أَمْرًا؟ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا} [الكهف: ١٠٣] قَالَ: ارْقَ إلَيَّ أُخْبِرْك. قَالَ: فَرَقَى إلَيْهِ دَرَجَتَيْنِ قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ بِعَصًا كَانَتْ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِهَا. ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ وَأَصْحَابُك. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا نُبْذَةً مِنْهُ، وَتَمَامُهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: الَّذِينَ أَفْسَدُوا أَعْمَالَهُمْ بِالرِّيَاءِ وَضَيَّعُوا أَحْوَالَهُمْ بِالْإِعْجَابِ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>