للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا هَاجَرَ نَزَلَتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩]، وَهَذَا نَاسِخٌ لِكُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ إعْرَاضٍ وَتَرْكٍ وَصَفْحٍ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي قِسْمِ النَّسْخِ الثَّانِي مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أُذِنَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى {أُذِنَ} [الحج: ٣٩]

أُبِيحَ، فَإِنَّهُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِإِبَاحَةِ كُلِّ مَمْنُوعٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنْ الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ قَبْلَ الشَّرْعِ، لَا إبَاحَةً وَلَا حَظْرًا إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ، وَبَيَّنَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولَهُ وَدَعَا قَوْمَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَصَرَّفُوا إلَّا بِأَمْرٍ، وَلَا فَعَلُوا إلَّا بِإِذْنٍ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُجَّةِ دَعَا قَوْمَهُ إلَى اللَّهِ دُعَاءً دَائِمًا عَشَرَةَ أَعْوَامٍ، لِإِقَامَةِ حُجَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَوَفَاءً بِوَعْدِهِ الَّذِي امْتَنَّ بِهِ بِفَضْلِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥]، وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ فِي الطُّغْيَانِ، وَمَا اسْتَدَلُّوا بِوَاضِحِ الْبُرْهَانِ، وَحِينَ أَعْذَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ إلَى الْخَلْقِ، وَأَبَوْا عَنْ الصِّدْقِ أَمَرَ رَسُولَهُ بِالْقِتَالِ، لِيَسْتَخْرِجَ الْإِقْرَارَ بِالْحَقِّ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

قُرِئَ يُقَاتِلُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، فَإِنْ كَسَرْت التَّاءَ كَانَ خَبَرًا عَنْ فِعْلِ الْمَأْذُونِ لَهُمْ، وَإِنْ فَتَحْتَهَا كَانَ خَبَرًا عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِمْ بِهِمْ، وَإِنَّ الْإِذْنَ وَقَعَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَهُمْ، فَفِي فَتْحِ التَّاءِ بَيَانُ سَبَبِ الْقِتَالِ، وَقَدْ كَانَ الْكُفَّارُ يَتَعَمَّدُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْإِذَايَةِ، وَيُعَامِلُونَهُمْ بِالنِّكَايَةِ: لَقَدْ خَنَقَهُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى كَادَتْ نَفْسُهُ تَذْهَبُ، فَتَدَارَكَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: ٢٨] وَقَدْ بَلَغَ بِأَصْحَابِهِ إلَى الْمَوْتِ؛ فَقَدْ قَتَلَ أَبُو جَهْلٍ سُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَقَدْ عُذِّبَ بِلَالٌ، وَمَا بَعْدَ هَذَا إلَّا الِانْتِصَارُ بِالْقِتَالِ.

وَالْأَقْوَى عِنْدِي قِرَاءَةُ كَسْرِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وُقُوعِ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>