للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَامِلًا فَأَنْكَرَهُ، فَكَانَ ابْنَهَا يُدْعَى إلَى أُمِّهِ. ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ أَنَّ ابْنَهَا يَرِثُهَا وَتَرِثُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا.

[مَسْأَلَة اقْتِصَارِ اللِّعَانِ عَلَى دَعْوَى الرُّؤْيَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦]

عَامٌّ فِي كُلِّ رَمْيٍ سَوَاءٌ قَالَ: زَنَتْ، أَوْ رَأَيْتهَا تَزْنِي، أَوْ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي؛ فَإِنَّ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُبَيِّنُ الْحُكْمِ فِيهَا.

وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي اقْتِصَارِ اللِّعَانِ عَلَى دَعْوَى الرُّؤْيَةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، كَمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا شَرَطْنَا الرُّؤْيَةَ أَيْضًا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ؛ هَلْ يَصِفُ الرُّؤْيَةَ صِفَةَ الشُّهُودِ أَمْ يَكْفِي ذِكْرُهَا مُطْلَقًا عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ الزَّجْرُ عَنْ دَعْوَاهَا حَتَّى إذَا رَهِبَ ذِكْرَهَا وَخَافَ مِنْ تَحْقِيقِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عِيَانَهُ كَفَّ عَنْ اللِّعَانِ؛ فَوَقَعَتْ السُّتْرَةُ، وَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ إنْ شَاءَ؛ وَلِذَلِكَ شَرَطْنَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَيْفِيَّةَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا يَذْكُرُهَا الشُّهُودُ تَغْلِيظًا.

وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَكْفِي لِإِيجَابِ اللِّعَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، فَلْتُعَوِّلُوا عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَأْتِ بِهَا، فَلَاعِنِ بَيْنَهُمَا» وَلَمْ يُكَلِّفْهُ ذِكْرَ رُؤْيَتِهِ. أَمَا إنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: «رَأَيْت بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ»، كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: إذَا أَتَيْت لَكَاعِ وَقَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ، وَكَذَلِكَ إذَا نَفَى الْحَمْلَ فَإِنَّهُ يَلْتَعِنُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الرُّؤْيَةِ، إذْ قَدْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ الْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَمِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِعِدَّةٍ.

وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، هَلْ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ لَهُ مِنْ الشُّغْلِ تَقَعُ بِهَا، كَمَا فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا رَاعَيْنَا الثَّلَاثَ حِيَضٍ فِي الْعِدَّةِ لِحُكْمٍ آخَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>