للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْآيَة الْخَامِسَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ]

ْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: ٣٠]. فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {يَغُضُّوا} [النور: ٣٠] يَعْنِي يَكُفُّوا عَنْ الِاسْتِرْسَالِ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّك مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كِلَابًا

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] فَأَدْخَلَ حَرْفَ {مِنْ} [النور: ٣٠] الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّبْعِيضِ، وَذَكَرَ {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠] مُطْلَقًا. وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ غَضَّ الْأَبْصَارِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ غَضَّهَا عَنْ الْحَلَالِ لَا يَلْزَمُ؛ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ غَضُّهَا عَنْ الْحَرَامِ؛ فَلِذَلِكَ أَدْخَلَ حَرْفَ التَّبْعِيضِ فِي غَضِّ الْأَبْصَارِ، فَقَالَ: مِنْ أَبْصَارِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّ مِنْ نَظَرِ الْعَيْنِ مَا لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ النَّظْرَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا مُحَرَّمٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْفَرْجِ شَيْءٌ مَا يُحَلَّلُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ مِنْ النَّظَرِ مَا يَحْرُمُ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَجَانِبِ؛ وَمِنْهُ مَا يُحَلَّلُ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَاتِ وَذَوِي الْمَحَارِمِ، بِخِلَافِ الْفَرْجِ، فَإِنَّ سَتْرَهُ وَاجِبٌ فِي الْمَلَأِ وَالْخَلْوَةِ؛ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ؛ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك. فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْت أَلَّا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ. قُلْت: فَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ».

<<  <  ج: ص:  >  >>